وفي هذه الآية الكريمة تحريم الخمر على أكمل الوجوه وأبلغها كما أوضحناه في غير هذه المحاضرة، فهذه أمثلة من حكم الله البالغة في كيفية التشريع.

ثم إنَّا نريد الآن أن نذكر الحكم التي يشتمل عليها تشريع خالق السموات والأرض.

اعلم أولًا أن الحكمة "فِعْلة" من الحكم، وهو في اللغة المنع. وأظهر معاني الحكمة لغة أنها العلم النافع الصحيح؛ لأن العلم الصحيح النافع يمنع الأقوال والأفعال أن يعتريها الخلل والنقص فكل نقص أو خلل منشأه في الحقيقة من الجهل الذي هو عدم العلم بما يقصد.

والحكمة في الاصطلاح: هي وضع الأمور في مواضعها وإيقاعها في مواقعها. وهي في الاصطلاح الخاص بأهل الأصول: المصلحة التي من أجلها صار الوصف علة للحكم. فالحكم -مثلًا- تحريم شرب الخمر، وعلة هذا الحكم هي الإسكار، والحكمة هي حفظ العقل. فمصلحة حفظ العقل هي التي من أجلها صار الإسكار علة لتحريم شرب الخمر وهي حكمة التشريع.

والحكم -مثلًا أيضًا- القطع، وعلة هذا الحكم هي السرقة، والحكمة هي حفظ المال. فمصلحة حفظ المال من السرقة هي التي من أجلها صارت السرقة علة لقطع يد السارق. وهكذا.

وبعض أهل الأصول يقول: الحكمة عبارة عن دفع مفسدة أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015