وبعض أهل العلم يقول: إن مراتب تدريج الصوم ثلاث:
1 - كان أولًا يجب صوم يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم أوجب صوم رمضان سنة اثنين ثم وقع فيه التدرج الذي ذكرنا.
وأما الخمر، فإن من اعتادها يصعب عليه تركها -قبحها الله- ولذلك لما أراد الله أن يشرع تحريمها شرعه تدريجًا على ثلاث مراحل؛ أنزل فيها أولًا آية البقرة المنبهة على بعض معايبها وما فيها من الإثم وهي قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، ثم استأنست النفوس بأن فيها إثمًا كبرًا وأن إثمها أكبر من نفعها= شرع الله تحريمها في بعض الأوقات دون بعض، فحُرِّمت عليهم في أوقات الصلاة، ومعنى ذلك أنهم حُرِّم عليهم شربها في وقت يَقْرُب من وقت الصلاة بحيث يدخل وقت الصلاة والشارب لم يصحُ. فصاروا لا يشربونها إلا في وقتين، لأن الشارب فيهما يصحو قبل وقت الصلاة وهما بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العشاء. وذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43].
فلما استأنست النفوس بتحريمها حُرِّمت تحريمًا جازفا باتًّا في غزوة بني النضير بقوله تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَينَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90، 91]