بِأَن الْحَج أَنما فرض بقوله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} . وَهُوَ من صدر سُورَة آل عمرَان وَهُوَ نَازل فِي وَفد نَجْرَان وهم من القادمين عَام الْوُفُود. قَالُوا: وَمَا يُوضح ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَالحهمْ على أَدَاء الْجِزْيَة. الْجِزْيَة إِنَّمَا نزلت فِي سُورَة بَرَاءَة عَام تسع، فَإِن قيل لم تزل حجَّة الشَّافِعِي قَائِمَة فِي أَن وجوب الْحَج على التَّرَاخِي لأنكم وافقتم على أَنه فرض عَام تسع وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحجّ عَام تسع بل أرسل أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ حَاجا بِالنَّاسِ وَأتبعهُ عَليّ بن أَبى طَالب رَضِي الله عَنهُ يُنَادى فِي الْمَوْسِم بِسُورَة بَرَاءَة، وَألا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَألا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان.
فَالْجَوَاب من قبل الْجُمْهُور أَنهم يَقُولُونَ: وجوب الْحَج على الْفَوْر. وَهُوَ عَام تسع مَفْرُوض إِلَّا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنعه من الْمُبَادرَة إِلَى الْحَج عَام تسع عذر شَرْعِي صَحِيح وَهُوَ أَنه فِي عَام تسع لم يُمكن منع الْمُشْركين من الْحَج وَلَا منع الطائفين عُرَاة فكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخالطتهم على ذَلِك الْحَال وَلذَلِك صرح الله بمنعهم بعد ذَلِك الْعَام الَّذِي هُوَ عَام تسع وَذَلِكَ فِي قَوْله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} . وَأشهر الأمهال الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} . لم تنقض إِلَّا بعد الْحَج من تِلْكَ السّنة فَلهم المهلة فِي ذَلِك الْمَوْسِم من تِلْكَ السّنة الَّتِي هِيَ سنة تسع وَأظْهر الْأَقْوَال أَن مبدأ تِلْكَ الْأَشْهر من وَقت النداء بِالْبَرَاءَةِ من الْمُشْركين وَذَلِكَ يَوْم الْحَج الْأَكْبَر كَمَا يدل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} . فَأول عَام أمكنه فِيهِ الْحَج صافيا لَا تُوجد فِيهِ مناكر من طواف الْمُشْركين عُرَاة هُوَ عَام عشر فبادر فِيهِ إِلَى الْحَج. قَالُوا: وَأما آيَة {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} النَّازِلَة سنة سِتّ فَهِيَ إِنَّمَا تدل على وجوب إِتْمَامه بعد الشُّرُوع فِيهِ وَلَا تدل على وُجُوبه ابْتِدَاء