وفى هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة تَحْرِيم الْخمر على أكمل الْوُجُوه وأبلغها كَمَا أوضحناه فِي غير هَذِه المحاضرة فَهَذِهِ أَمْثِلَة من حكم الله الْبَالِغَة فِي كَيْفيَّة التشريع.
ثمَّ إِنَّا نُرِيد ألان أَن نذْكر الحكم الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا تشر خَالق السَّمَاوَات وَالْأَرْض.
اعْلَم أَولا أَن الْحِكْمَة فعلة من الحكم وَهُوَ فِي اللُّغَة الْمَنْع. وَأظْهر مَعَاني الْحِكْمَة لُغَة أَنَّهَا الْعلم النافع الصَّحِيح. لِأَن الْعلم الصَّحِيح النافع يمْنَع الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال! أَن يعتريها الْخلَل وَالنَّقْص فَكل نقص أَو خلل منشأه فِي الْحَقِيقَة من الْجَهْل الَّذِي هُوَ عدم الْعلم بِمَا يقْصد.
وَالْحكمَة فِي الِاصْطِلَاح هِيَ وضع الْأُمُور فِي موَاضعهَا وإيقاعها فِي مواقعها. وَهِي فِي الِاصْطِلَاح الْخَاص بِأَهْل الْأُصُول: الْمصلحَة الَّتِي من أجلهَا صَار الْوَصْف عِلّة للْحكم فَالْحكم مثلا: تَحْرِيم شرب الْخمر وَعلة هَذَا الحكم هِيَ الاسكار وَالْحكمَة هِيَ حفظ الْعقل فمصلحة حفظ الْعقل هِيَ الَّتِي من أجلهَا صَار الاسكار عِلّة لتَحْرِيم شرب الْخمر وهى حِكْمَة التشريع.
وَالْحكم مثلا أَيْضا الْقطع وَعلة هَذَا الحكم هِيَ السّرقَة وَالْحكمَة هِيَ حفظ المَال فمصلحة حفظ المَال من السّرقَة هِيَ الَّتِي من أجلهَا صَارَت السّرقَة عِلّة لقطع يَد السَّارِق. وَهَكَذَا.
وَبَعض أهل الْأُصُول يَقُول: الْحِكْمَة عبارَة عَن دفع مفْسدَة أَو تقليلها. أَو جلب مصلحَة أَو تكميلها وَهُوَ رَاجع إِلَى مَا ذكرنَا. فَإِذا علمت ذَلِك فَاعْلَم أَن أيحكم الَّتِي يَدُور حولهَا التشريع السماوي ثَلَاثًا.
1- الأولى: دَرأ الْمفْسدَة وَهُوَ الْمعبر عَنهُ فِي الْأُصُول بالضروريات.
2- الثَّانِيَة: جلب الْمصلحَة وَهُوَ الْمعبر عَنهُ عِنْد الْأُصُولِيِّينَ بالحاجيات.
3- الثَّالِثَة: الجري على مَكَارِم الْأَخْلَاق وَاتِّبَاع أحسن المناهج