العبارات البراقة في الكتب والدساتير عن العدل، وعن الحرية والإخاء والمساواة. فإذا قال قائل منهم -أو من المدافعين عنهم- إن هذا خطأ في التطبيق، فليعطونا إذن مثالًا واحدًا للتطبيق المخالف لذلك في الشرق أو الغرب، وليرونا حركة التقويم الواحدة التي قامت لتصحح الخطأ وترده إلى الأصول!!
أما مواصفات "الإنسان الصالح" فقد تضمنها كتاب منزل من عند الله، وسنن سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تضمنها واقع تاريخي ضخم شهدته البشرية أروع شهادة، وظل قائمًا في الأرض قرونًا طويلة رغم الانحراف المتزايد والبعد التدريجي عن منهج الله. أما انحرافات المسلمين التاريخية، التي بلغت ذروتها في المجتمعات الجاهلية القائمة اليوم في أرض الإسلام، فهي انحرافات، لا يرضى بها أحد، ولا يبررها أحد، ولا يدافع عنها أحد! وقد قامت في التاريخ الإسلامي حركات متكررة لمحاولة تصحيحها، وردها إلى أصولها المتضمنة في الكتاب والسنة، على يد الدعاة والمجاهدين الذين لم ينقطع منهم تاريخ الإسلام، وها هي ذي حركات البعث الإسلامي القائمة اليوم، رغم كل الحرب المصبوبة عليها من كل أرجاء الأرض، تحاول أن تقوم انحراف المسلمين وتردهم إلى تلك الأصول.
وهذا هو الفارق بين المنهج الرباني، القائم على العقيدة الصحيحة في الله، والمناهج البشرية القائمة على المصلحة أو على الحقد أو على شهوة السلطان.
الإنسان الصالح هو الإنسان العابد لله، على المفهوم الشامل للعبادة الذي يشمل كل الحياة؛ وهو كذلك الإنسان الذي تتمثل فيه أخلاقيات لا إله إلا الله:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا، وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا،