الصالح" الذي تسعى إلى إنشائه مناهج التربية البشرية التي لا تقوم على المنهج الرباني، وإن بدا لأول وهلة أنهما شيء واحد بلا افتراق. وما نحتاج هنا أن نعيد ما قلناه هناك. إنما نقول باختصار: إن الإنسان الصالح يشتمل ابتداء على ما قد يشتمل عليه المواطن الصالح من عناصر الخير، ولكنهما يفترقان افتراقًا واسعًا بعد ذلك، ينشأ من قضية جوهرية في حياة هذا الكون كله, وحياة الإنسان كذلك، هي قضية المعبود الحقيقي: أهو الله وحده بلا شريك؟ أم له شركاء يعبدون معه أو يعبدون من دونه. كانت في الماضي أصنامًا حسية في الغالب، وهي اليوم أوثان معنوية من نوع آخر ولكنها تفضي إلى ذات النتيجة، تتخذ أسماء شتى، الوطنية. أو القومية. أو الإنتاج القومي. أو المصلحة القومية. أو الدولة، أو الحزب، أو المذهب أو الزعيم. تطاع في معصية الله، وتقدم على ما أنزل الله، فتكون في الحقيقة أربابًا معبودة من دون الله، وتنشأ عن ذلك فروق كبيرة في الدنيا، فضلًا عن المصير في الآخرة.

فالرأسمالي الذي يستبيح لنفسه أن يمتص دماء الكادحين، ويغري البشرية بالفساد الخلقي والروحي والعقلي؛ لكي يربح الأرباح الفاحشة من منتجات ليست من مستلزمات الحياة الجادة النظيفة الهادفة، ثم يقيم الحروب المحلية أو العالمية لكي يؤمن أسواقًا لتصريف بضائعه. ذلك "مواطن صالح" في نظر الغرب الرأسمالي. بل هو صالح بمقدار ما يمعن في هذا الشر كله وينجح فيه!

والمواطن في الشيوعية صالح بمقدار ما يستطيع أن يستعبد نفسه للزعيم والحزب والمذهب والدولة، ولا يفتح فمه بكلمة نقد واحدة لما قد يتراءى له مستوجبًا للنقد! ولا بأس عليه أن يقدس الزعيم القائم اليوم، حتى إذا مات ونبش قبره من بعده. أنحى باللائمة على الزعيم الأول وتابع الزعيم الأخير! ولا بأس عليه أن تجنده الدولة لإهلاك الناس بغير جزيرة, كما جندت روسيا مواطنيها الصالحين عام 1956 لهدم البيوت على سكانها أحياء في المجر، لأنهم تجرءوا فأرادوا أن يختاروا لأنفسهم طريقًا غير طريق الذل الذي عاينوه في الحكم الشيوعي "الإنساني" "الرفيع"!

وهم بطبيعة الحال لا يقولون في كتبهم ولا دساتيرهم إن هذه أو تلك هي مواصفات المواطن الصالح! ولكن هذا هو التطبيق العملي الذي يكشف "المبادئ" على حقيقتها، ويكشف عن مفهوم القوم الحقيقي لمبادئهم، رغم كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015