يا عجبًا! هذا منهج متكامل للتربية الإسلامية لم يخطر في نفسي أبدًا من قبل!
منهج متكامل لا يترك صغيرة ولا كبيرة. يشمل النفس الإنسانية كلها بحذافيرها، ويشمل الحياة البشرية بالتفصيل!
كيف كان هذا المنهج غائبًا عني.. لا أدري!
إنه في وضوحه وبساطته يشبه البديهيات!
ومع ذلك فقد كان غريبًا عن نفسي قبل ذلك بلحظات!
ومنذ تلك اللحظة أصبح منهج التربية الإسلامية واضحًا في نفسي، واعيًا في حسي، أجد له الشواهد في كل توجيه قرآني، وفي كل حديث أو عمل للرسول صلى الله عليه وسلم.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الترجمة الواقعية للقرآن. وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان خلقه القرآن.
ومن ثم كان هو النموذج الحي للتربية الإسلامية، والمفسر لهذا المنهج، سواء بأخلاقه الذاتية أو بتوجيهاته للناس.
وأخذت أدرس المسألة على هذا النحو، وصح في عزمي أن أسجلها في كتاب.
ومنهج التربية الإسلامية فريد في كل مناهج الأرض، وإن التقى ببعضها في التفصيلات والفروع. فريد في شموله ويقظته لكل دقيقة من دقائق النفس البشرية وكل خالجة وكل فكرة وكل شعور. وفريد في أثره في داخل النفس وفي واقع الحياة. فقد كان من أثره تلك الأمة العجيبة في التاريخ. الأمة التي انتفضت من تراب الأرض فوصلت إلى السماء. والتي قامت من شتات متناثر لا يكاد يلتقي على غير الصراع والحرب، فإذا هي أمة صلبة متماسكة لا مثيل لها في الأرض، تفتح وتغزو، وتعمر وتبني، وتقيم مثلًا أخلاقية وإنسانية غير معهودة من قبل ولا من بعد، وتنتشر في سنوات قليلة في رقاع الأرض، تنشر النور والهدى، وتنشئء الحياة بإذن ربها من جديد.
هذه الأمة كلها من نتاج هذا المنهج. كلها، بمادياتها ومعنوياتها.