وله قيمته أخيرًا في مواجهة الفتنة بالمناهج الشائعة في الغرب والشرق، والتي تفتن الناس بأنها "مناهج" مفصلة مدروسة، فيغفلون عما فيها من انحراف خطر، ويظنونها صالحة لمجرد كونها مدروسة مفصلة!
ولقد ظللت زمنًا أقرأ القرآن دون أن أفطن إلى هذا المنهج.
وحتى حين ألفت كتاب "الإنسان بين المادية والإسلام" وأبرزت فيه بوضوح أن للإسلام نظرة خاصة إلى "الإنسان"، وطريقة خاصة في معاملة النفس الإنسانية، تختلف في أساسها عن الطريقة المادية التي يمارسها الغرب المادي: شرقه وغربه سواء. حتى حينئذ لم أكن فطنت إلى منهج التربية الإسلامية، لأني كنت مشغولًا بالدراسة النفسية في ذلك الكتاب، وبالنظرة العامة إلى الإنسان.
وقد أوردت في ذلك الكتاب صفحة واحدة عن التربية الإسلامية، لا تحمل أكثر من خطوط عريضة جدًّا لهذه التربية، ثم كتبت عنها فصلًا واحدًا في كتاب لم ينشر عن سياسة التعليم. وكنت في هذا وذاك أعالجها في حذر ومن بعيد.
ذلك أنها لم تكن في حسي قد اتضحت بعد!
ومرت سنوات وأنا لا أزداد قربًا من موضوع التربية ولا أتجه إلى الكتابة فيه.
حتى كانت ليلة عجيبة ما زلت أذكرها كأنها الأمس، وقد مر عليها أكثر من أربع سوات!
كنت في ضائقة نفسية شديدة لا يبدو في ظلمتها بصيص من النور. وكان القرآن كتابنا الأوحد الذي نقرأ فيه.
وكنت إلى تلك الليلة قد قرأته -كله- ثلاث مرات أو أربعًا، وعشت فيه كل لحظة من النهار والليل، وعشت منه كل آية وكل حادثة وكل خبر وكان توجيه.
وفجأة -في تلك الليلة- أحسست بصفاء ذهني وروحي غير معتاد. وفجأة كذلك أحسست بمجموعة من الخواطر تنثال على نفسي متتابعة كأنها درس محفوظ!