الطفل الوليد قبل الخطوط الأخرى كلها، حتى خطي الحب والكره، اللذين يبدوان لأول وهلة أعمق الخطوط في نفس الإنسان. فهو من لحظة إدراكه لوجود أمة يتعلق بها، يجد في حضنها الأمن والطمأنينة والراحة فضلًا على الغذاء والدفء. ويخاف ويبكي إذا خرج من هذا الحضن الآمن بضع لحظات أو بضع خطوات! حتى يتعود على أشخاص آخرين غير الأم، ويتعود على أن يبقى وحده فترات من الوقت.. ثم يظل عالمه الفردي والجماعي يتسع حتى يشمل الكون كله!

ومن خلال الخوف والرجاء -قبل الحب والكره، ثم مع الحب والكره ومع بقية الخطوط المتقابلة في النفس البشرية- يتلقى الإنسان تأثيرات الكون والحياة من حوله ويعطيها تأثيراته. فكأنما هذه الخطوط هي "المدادات" التي يمدها النبات المتسلق ليثبت بها كيانه ويستمر بها في النمو، أو كأنما هي الأوعية النفسية التي تتم بها دورة الحياة الوجدانية من الإنسان وإليه، وكأنما الخوف والرجاء أوسعها جميعًا وأكثرها حملًا لدفقات الحياة.

ومن خلال هذين الخطين -مع بقية الخطوط ولكن في مقدمة كل الخطوط- يتكيف البناء النفسي للإنسان، فيتعدل أو ينتكس، ويستقيم على الخط السوي أو يسير على خط الانحراف.

فإذا كان يخاف مما ينبغي أن يخاف منه، ويتعلق بما ينبغي أن يتعلق به، فقد استقامت حياته, وأصبح في أحسن تقويم. أما إن خاف ما لا ينبغي أن يخافه، وتعلق بما لا ينبغي أن يتعلق به، فقد انتكس أسفل سافلين.

ومنهج التربية الإسلامية يربي الناس على الخوف مما ينبغي أن يخافوه، والتعلق بما ينبغي أن يتعلقوا به. وينفي عن القلب البشري الخوف مما لا ينبغي أن يخاف، والتعلق بما لا ينبغي التعلق به.

يربيهم على الخشية والتقوى لله. والخوف من عذاب الله وغضبه المؤدي إلى العذاب، وعدم الخوف من شيء أو على شيء آخر.

ويربيهم على التعلق بالله، وطلب العون منه وحده لا من أحد من خلقه، والتعلق بالآخرة ونعيمها، ورضوان الله المؤدي إلى النعيم. وعدم التعلق بما يشغل الإنسان عن هذا الأمر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015