ورسوله. ولكن هذه المظلة الجاهلية لا تلقي حكمها على كل الناس الواقفين تحتها، فهؤلاء كل منهم له حكمه الخاص، بحسب موقفه الشعوري والفكري والعملي من هذه المظلة، كما يقول حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" 1.
ومن الكذب على الله وعلى التاريخ إذن أن تقول إننا امتداد لجماعة الرسول صلى الله عليه وسلم على خط غير منقطع. فلو أن واحدًا من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم بعث في هذه اللحظة ورأى أحوالنا لفزع منها، ولحكم من توه أن هذا المجتمع قد ارتد إلى أبشع من الجاهلية الأولى التي شهدها ذلك الصحابي قبل أن يدخل في الإسلام. فما كانت المرأة في مجتمعه الجاهل بهذا التبرج، ولا كان الشباب في مجتمعه بهذه الميوعة والطراوة والانحلال، ولا كان المجتمع كله واقعًا في الكذب والخداع والنفاق والرذيلة كهذا المجتمع الذي نزعم زورًا أنه مجتمع إسلامي!
وسيتذكر ذلك الصحابي ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لواحد من أجلة الصحابة: "أنت امرؤ فيك جاهلية" , من أجل كلمة واحدة قالها، إذ قال لبلال رضي الله عنه: يابن السوداء! فكيف يكون حكمه يا ترى على هذا المجتمع بكل أوزاره التي يحملها وكل معاصيه؟!
كلا! ما ينبغي لنا أن نخدع أنفسنا ونزعم أننا مجتمع إسلامي "بصرف النظر عن الحكم على ذوات الناس، فهذا أمر لا نتعرض له" ولا يجدي شيئًا كذلك أن نخدع أنفسنا هذه الخديعة. فغاية ما يحدث منها أن تظل نصف علاجًا لا ينفع، ويظل الداء باقيًا دون شفاء!
يجب إذن أن نصارح أنفسنا -في شجاعة وصراحة- أنه ينبغي علينا أن نبدأ بدءًا جديدًا إن كنا نريد أن نعود حقيقة إلى الإسلام، في صورته الربانية التي أنزله الله بها، لا في أي صورة مزيفة نبتدعها، ثم نضع عليها لافتة من عندنا تقول: هذا إسلام!
ولكن هنا يجابهنا ذلك السؤال الهام: من أين نبدأ؟
هل نحن في مثل العهد المكي فنبدأ من حيث بدأ العهد المكي؟