والنسب والقوة والمال ... ,وإنما يشعر بأهميته لأنه مؤمن مهتد إلى القوة الحقيقية في هذا الكون، ومعتز بهذا الإيمان.
هذا الهدى يجعله قوة كونية فاعلة، ومن هنا يحس بقدره الحقيقي، ويقدر أهميته -فردًا- بهذا الميزان، وحينئذ يكون استقلالي النزعة لأنه يحس أنه لا يستمد وجوده من أسرة أو ميراث، ولا من وظيفة أو مجتمع، ولكن من ذاته ... ذاته المهتدية بالله.
وهو مع استقلاله بكيانه المتفرد شخص اجتماعي إلى أبعد الحدود.
فليس استقلاله حاجزًا يحجز بينه وبين الناس! فالرباط الحي موجود دائمًا بينه وبين غيره من الكائنات. الرباط الحي هو الصلة بالله، صلة يلتقي عليها جميع الأحياء.
والحب.. طاقة الإيمان الكبرى.. قوة واصلة تكره الحواجز وتجرف السدود.
وما ركب في طبع المؤمن من التعاون على البر والتقوى يقتضي بطبيعته الاجتماع بالناس.
والإسلام يكره العزلة وينفر منها: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم" 1.
ومن ثم فهو اجتماعي مصاحب وصول ودود.
ليس بينه وبين الناس حواجز، ومع ذلك لا يزعجهم برفع الحواجز كلها و"برفع التكليف"!
إنه ليس معنى أنه يحب الناس ويخلطهم بنفسه أن يقتحم عليهم دورهم بلا موعد، ويقتحم عليهم راحتهم بغير استئذان!
كلا! فقد هذبه الإيمان وأصلح سلوكه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا