ما تدركه الحواس وما لا تدركه الحواس:

وقريب من الخطين السابقين هذان الخطان الآخران: الإيمان بما تدركه الحواس، والإيمان بما لا تدركه الحواس1.

إنهما طاقتان فطريتان في كيان الإنسان. كلتاهما إنسانية أصيلة، فالحيوان لا "يؤمن" بشيء من الأشياء. ومع ذلك فالإيمان بما تدركه الحواس ليس هو مزية الإنسان العظمى. إذا هو أقرب في طبيعته للطاقة الحسية المشتركة بين الإنسان والحيوان. أما القدرة على الإيمان بما لا تدركه الحواس فهو المزية الأساسية للكائن البشري، والموهبة العظمى التي وهبها الله للإنسان.

وعلى الرغم من هذه البديهية التي يؤيدها العلم التجريبي نفسه -كما ذكرنا من قول جوليان هكسلي- فالجاهلية الحديثة تطمس بصيرة الإنسان في هذا الجانب، وتحدد كيانه، وتحصره في محيط ما تدركه الحواس وحده. وتقول إن هذه هي "الواقعية"!

"إن حقيقة العالم تنحصر في ماديته"!.. كذلك يقول المذهب المادي على لسان ماركس. وكذلك يؤمن الغرب كله بصرف النظر عن مذاهبه الاقتصادية، فالخلاف فيها خلاف على القشرة، أما الأساس المشترك فهو إيمان بمادية الحياة ومادية الإنسان! 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015