ومر معنا كيف وصلت الحال بالمجتمع الإسلامي في ذلك الوقت، ومن هنا فقد كان الإمام تاج الدين السبكي صاحبُ دعوةٍ إصلاحيةٍ للمجتمع، فهو لم يرضَ أبداً عن حال الأمّة في ذك الوقت، ذلك أنّ التاج السبكي وكما وصفه الأستاذ محمد صادق حسين: ((من أولئكم الرجال ذوي الشخصيات الضخمة والنفوس القوية والأخلاق المتينة، أولئكم الذين يَسمُون بأنفسهم فوق منافعهم الخاصة، ويأبون - وإن تهيأت لهم كل أسباب الراحة - أن يصبروا على فساد بيئة أو طغيان قوّة أو موت حق وقيام باطل، فلم يكن من أولئكم الأنذال أشباه الرجال الذين يرحّبون بالفساد يستغلّونه لمآربهم ... ويُسَخّرونه لمنافعهم)) (?).
هكذا كان تاج الدين السبكي، ومن هنا جاء تأليفه لكتابٍ يُعدّ من أعظم ما أُلِّف في بابه ألا وهو كتابه ((معيد النعم ومبيد النقم)) (?)، هذا الكتاب الذي حاول فيه التاج السبكي الدعوة إلى إصلاح المجتمع الإسلامي من أعلى طبقة فيه ألا وهو السلطان إلى أدنى طبقاته المتمثّلة بالشحاذين، فقد بيّن التاج في هذا الكتاب ما يجب على كل أحد من أفراد الأمّة - حكاماً كانوا أو محكومين - أن يفعله، وما يجب عليه أن يَجتَنبه، وبيّن الكثير من نواحي الضعف في هذه الأمّة مبيّناً سببها، وواصفاً لها علاجاً ناجعاً يقوم على أساس شكر النعمة، وقيام كُلٍّ بما يجب عليه (?).
وبهذه التوجيهات التي ضمنها التاج السبكي كتابه ((معيد النعم)) يعدّ التاج مصلحاً اجتماعياً ومربياً فاضلاً قلّما تجد له نظيراً، وبذلك عدّه الأستاذ محمد الصادق مصلحاً لم تعرف مصر من أبنائها آخر من طرازه حتى ظهر الشيخ محمد عبده (?).
قلت: وليس الأمر مقتصراً على مصر وحدها، بل توجيهات تاج الدين السبكي ودعوته الإصلاحية شاملة كل أنحاء البلاد الإسلامية، وأكثَرُها ينطبق على حال أمتنا اليوم، فلو أنّ علماءنا اتّخذوا من توجيهات التاج السبكي التربوية منهاجاً وساروا عليها ودعوا الناس إليها لانقلب حالنا إلى أحسن حال، وأصبحنا أمّة قوية منيعة مهابة الجانب بدلاً من الضعف والذل والخنوع الذي نعيشه اليوم صباح مساء (?).