«ولكن كنت على كلفتى بذلك أتجهم التقحم على هذا المجال، وأحجم عن الزج بسية قوسى فى هذا النضال، اتقاء ما عسى أن يعرض له المرء نفسه من متاعب تنوء بالقوة، أو فلتأت سهام الفهم وإن ساعد الذهن كمال الفتوة» (?).
ويتابع وصفه لهذه المرحلة وتأجيله تحقيق رغبة نفسه فى إنجاز مثل هذا العمل، والعقبات التى تحول بينه وبين هذا التحقيق إلى أن فتح الله عليه:
«فبقيت أسوّف النفس مرة ومرة أسومها زجرا، فإن رأيت منها تصميما أحلتها على فرصة أخرى، وأنا آمل أن أمنح من التيسير، وما يشجع على قصد هذا الغرض العسير، وفيما أنا بين إقدام وإحجام، أتخيل هذا الحقل مرة القتاد وأخرى الثمام، إذا أنا بأملى قد خيل إلىّ أنه تباعد أو انقضى، إذ قدّر أن تسند إلىّ خطة القضا، فبقيت متلهفا ولات حين مناص، وأضمرت تحقيق هاته الأمنية متى أجمل الله الخلاص، وكنت أحادث بذلك الأصحاب والإخوان، وأضرب المثل بأبى الوليد بن رشد فى كتاب البيان، ولم أزل كلما مضت مدة يزداد التمنى وأرجو إنجازه، إلى أن أوشك أن تمضى عليه مدة الحيازة، فإذا الله قد منّ بالنقلة إلى خطة الفتيا. وأصبحت الهمة مصروفة إلى ما تنصرف إليه الهمم العليا، فتحول إلى الرجاء ذلك اليأس، وطمعت أن أكون ممن أوتى الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس، هنالك عقدت العزم على تحقيق ما كنت أضمرته، واستعنت بالله تعالى واستخرته، وعلمت أن ما يهول من توقع كلل أو غلط، لا ينبغى أن يحول بينى وبين نسج هذا النمط، إذا بذلت الوسع فى الاجتهاد، وتوخيت طرق الصواب والسداد» (?).