وتنوعت عنده أيضا مصادر الفقه بمختلف مذاهبه، يجمع بين الأقوال حينا، أو يذكر قولا لأحد أئمتها مقرونا باسم بعض الصحابة والتابعين، وعلى الرغم من أنه مالكى المذهب إلا أنه لم يتوقف عند ذلك، فلم يتعصب لمذهبه الفقهى، ولم يناصر إلا ما وجده يتفق مع الآية أو الحديث، أو ما فيه المصلحة للناس جميعا، ولم يلجأ إلى القياس أو الإجماع إلا فيما ارتضاه أئمة المسلمين، وهما على كل حال لم يمثلا دورا بارزا فى تفسيره، اللهم إلا فى بعض القضايا القليلة التى رجع فيها إلى علماء الأصول كالغزالى والشافعى والشاطبى.
أما عن مصادر النحو، فلم يترك ابن عاشور مدرسة نحوية إلا وأخذ منها، وقرن بين أقوال رجالها، وقارن بين مذاهبهم، وأكثر الأقوال كان يعزوها إلى أصحابها، علاوة على جهوده النحوية التى زاحمت كثيرا هذه الأقوال.
وتنوعت عنده مصادر الشعر من جاهلى وإسلامى وأموى، وامتد استشهاده بالشعر إلى العصر العباسى، كشعر المتنبى وأبى نواس وأبى العلاء، على الرغم من توقف كثير من النقاد عند عصر الفرزدق وجرير والأخطل والبعيث وأضرابهم، والغالب أن ابن عاشور قد وجد عند هؤلاء الشعراء العباسيين ما يستشهد به أو يستأنس، وقد كانوا- ولا ريب- من أرباب اللغة وأصحاب الباع الطويل فيها.
وشغلت" اللغة" فى التحرير والتنوير حيزا كبيرا ولم يكتف صاحبه بمعنى اللفظ المعجمى أو المقابل له، وإنما كان السياق عونا أساسيا فى كشف دلالات اللفظ القرآنى، وكان ابن عاشور يلجأ إلى ضروب الاشتقاق ووجوه الأعراب، وقد يحدد المعنى الشرعى للفظ وتفصيل معناه مستعينا بأقوال علماء اللغة وواضعى المعاجم وكتب الأدب القديم والأمالى العلمية والمجالس النقدية والأدبية والتعريفات اللغوية، وجهده الشخصى فى كل ذلك ظاهر، وثقافته اللغوية العريضة أظهر.