ولو تتبعنا- على سبيل المثال- مصادره من كتب التفسير نجد" كشاف الزمخشرى الاعتزالى" قد أخذ نصيبا وافرا من التحرير والتنوير، وقد اتفق مع صاحبه فى بعض المسائل، واختلف معه فى مسائل أخرى، بل قد يتفق مع المذهب الاعتزالى كله أو يختلف، وهو فى عرضه لكل ذلك لم يكتف بالكشاف فحسب، بل رجع إلى كثير ممن تولوا شروح هذا التفسير، يناقش ويحلل ويعلل خصوصا دقيق الكلام من مسائل العقيدة والإيمان.
أما البلاغة وفنونها، فلم ينقل عن الزمخشرى نقلا حرفيا، بل كان هناك نقول أخرى من مختلف كتب البيان والبديع وأسرار البلاغة والإعجاز، إضافة إلى ثقافته الواسعة فى هذا الميدان.
كذلك كتب التفسير الأخرى التى تنوعت اتجاهاتها واهتماماتها لم يكن ابن عاشور ناقلا منها فحسب، إنما كان حكما واعيا بينها، يذكر قول المفسر أو ما رواه ومعه قول مفسر آخر أو مفسرين آخرين، فإذا كانت الأقوال مقنعة لعقله وضميره ذكرها مستأنسا بها، وإن لم تكن عارضها مفندا دون تعصب أو تطرف، والقارئ يشعر أمام هذه المعارضة أن وراءها عقل راجح، وذهن متقد، وميزان لم تفقد يد صاحبه الإحساس بمقدار الأوزان.
وكتب الحديث النبوى كانت عونا صادقا له، رجع إليها فيما احتاجه تفسير الآية من أقوال أو أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، ذاكرا إياها فى المواطن التى تحتاج إلى ذكرها، أو مكتفيا ببعض الإشارات إليها، وله مواقف أمام السند والمتن كانت جديرة بتسجيلها نراها فيما يستقبل من صفحات هذه الدراسة، وهو فى هذا الشأن لم يكتف بكتب الحديث المعتبرة المذكورة، ولكنه رجع أيضا إلى شرّاحها، فلا يغفل عما ذكروه فى شروح الأحاديث النبوية وتبيين مقاصدها.