تلك هى مقومات التفسير بالرواية عند ابن عاشور فى تفسيره" التحرير والتنوير"، ولم يكن فيها مقلدا يقبل الروايات أو الأقوال دون إعمال العقل، وإنما كان واعيا بقيمة كتب التراث الإسلامى فى ميدان التفسير الذى يمثل جانبا مهما من ضمير الأمة وتاريخها، يتعامل مع هذا التراث بتفتح فكرى، يأخذ منه ما يأخذ، ويرفض منه ما
يرفض، يأخذ من أعلى مصادره توثيقا، وما يتطابق مع الفكر النيّر بعد تحقيق وتحليل، ويرفض ما دون ذلك معللا أسباب الرفض، مقتنعا بالمحتوى الأصيل من هذا التراث، مبتعدا عن سلطان التعوّد والقبول بلا مناقشة.
إن محاولة تصفية جانب كبير من التراث الإسلامى من شوائب كثيرة علقت به تمت فى" التحرير والتنوير" بنجاح لا يمكن إنكاره، ولعل الاسم الذى اختاره ابن عاشور لتفسيره هذا يؤكد عزمه على ذلك بعد وضوح الهدف أمامه، حيث اعتمد تحقيق هذا الهدف على عقل مستنير استطاع به صاحبه النفاذ إلى هذا التراث والإلمام بالتيارات المختلفة التى صاحبت تسجيله، والاتجاهات المتضاربة التى اختلفت عليه ليخرج لنا بأصفى ما يمكن الخروج به من النصوص والمأثورات.