الفصل الأول
قرائن التعليل عند الإمام الدارقطني
إنَّ دراسة قَرائن التعليل عند نقاد الحديث لمن أهم المهمات للباحث في علل الحديث فهي بمثابة العصب للجسد في معرفة العلل، وبها يعرف مقاصد أئمة التعليل في نقد الأخبار، فإن النَّاقد لا يحكم على الحديث بعلة إلا بعد التتبع الحثيث لمرويَّات الراوة، ثم معرفة ظروف تحمُّلهم وأدائهم للمرويَّات، ومقارنتها بغيرها من الروايات الثابتة، لاستخراج ما طرأ على الأخبار من الوهم والخطأ، أو تعمد التحريف وغيره من العلل.
ولا يتأتى ذلك إلا لمن طالت ممارسته لدراسة الأسانيد ومعرفة الرجال وأحوالهم، والخبرة في سبر الأخبار، والغوص في بحار علم العلل، وهؤلاء قليل من أهل الحديث لصعوبة الوصول لهذه المرتبة من العلم والخبرة والمعرفة، فالجهابذةُ النُّقادُ العارفون بعللِ الحديثِ أفرادٌ قليلٌ من أهل الحديث، وأوَّل من اشتهر في الكلام في نقد الحديث ابنُ سيرين، ثم خَلفه أيوب السختياني، وأخَذَ ذلك عنه شعبةُ، وأخذ عَنْ شعبة: يحيى القطان وابن مهدي، وأخذ عنهما: أحمدُ وعلى بنُ المديني وابنُ معين، وأخذ عنهم مثل: البخاريّ وأبي داود وأبي زرعة وأبي حاتم.
قال الحافظ ابن رجب في شرح العلل: " قال أبو حاتم: وجرى بيني وبين أبي زُرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها، وكنت أذكر أحاديث خطأ وعللها، وخطأ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتم قل من يفهم هذا، ما أعز هذا!، إذا رفعت هذا عن واحد واثنين، فما أقل ما تجد من يحسن هذا! " (?).