كنا أهل بيوتات وغنم وعمل، كنا نأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طرفي النهار، وكان مسكينًا ضيفًا على باب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده مع يده، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع، ولا نجد أحدًا فيه خير يقول عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل1.
وفي رواية: قد سمعنا كما سمع، ولكن حفظ ونسينا2.
فقد كان أعلم الصحابة بالسُّنة وأحفظهم لها، ومما يدل على ذلك ما رُوي عن أبي هريرة بسند صحيح أنه قال: أخذَتِ الناسَ ريحٌ بطريق مكة، وعمر بن الخطاب حاج، فاشتدت عليهم فقال عمر لمن حوله: من يحدثنا عن الريح، فلم يرجعوا إليه شيئًا، فبلغني الذي سأل عنه عمر من ذلك، فاستحثثت راحلتي حتى أدركته فقلت: يا أمير المؤمنين، أُخبرتُ أنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الريح من رَوْح الله، تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا به من شرها" 3.
وكان هذا الحديث دليلًا قاطعًا على قناعة عمر -رضي الله عنه- بحفظ أبي هريرة بالرغم من كثرة حديثه4.
وروى الوليد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدَّث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى على جنازة فله قيراط، ومن صلى عليها وتبعها فله قيراطان"، فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: انظر ما تُحدِّث، فإنك تكثر من الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخذ بيده، فذهب به إلى عائشة فسألها عن ذلك فقالت: صدق أبو هريرة! ثم قال: يا أبا عبد الرحمن، إنه والله ما كان يشغلني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصفق في الأسواق، إنما كان يهمني كلمة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمنيها، أو