الْبَارِئَ تَعَالَى خَالِقٌ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، فَلَهُ تَعَلُّقٌ (?) بِمَخْلُوقَاتِهِ، وَذَاتُهُ مُلَازِمَةٌ لِصِفَاتِهِ، وَصِفَاتُهُ مُلَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ مُلَازِمَةٌ لِصِفَتِهِ الْأُخْرَى.
وَبَيَّنَّا أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُمْكِنَاتُ، وَالْقَدِيمُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُحْدَثَاتُ، الَّذِي هُوَ الْخَالِقُ الْمَوْجُودُ بِنَفَسِهِ، الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ وَيَمْتَنِعُ عَدَمُهُ، فَإِنَّ تَسْمِيَةَ الرَّبِّ وَاجِبًا بِذَاتِهِ وَجَعْلَ مَا سِوَاهُ مُمْكِنًا، لَيْسَ هُوَ قَوْلُ أَرِسْطُو وَقُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، وَلَكِنْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ مَبْدَءًا وَعِلَّةً، وَيُثْبِتُونَهُ مِنْ جِهَةِ الْحَرَكَةِ الْفَلَكِيَّةِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْفَلَكَ يَتَحَرَّكُ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ.
فَرَكِبَ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مَذْهَبًا مِنْ قَوْلِ أُولَئِكَ وَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَلَمَّا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْمَوْجُودُ يَنْقَسِمُ إِلَى قَدِيمٍ وَحَادِثٍ، وَإِنَّ الْقَدِيمَ لَا صِفَةَ لَهُ، قَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَالْوَاجِبُ لَا صِفَةَ لَهُ، وَلَمَّا قَالَ أُولَئِكَ: يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْقَدِيمِ، قَالَ هَؤُلَاءِ: يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْوَاجِبِ] (?) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ [كُلَّ] (?) مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ " (?) فَهَذَا حَقٌّ، وَالضَّمِيرُ فِي " مَا سِوَاهُ " عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ إِذَا ذُكِرَ بَاسِمٍ مُظْهَرٍ