حَيَاتِهِ، وَلَوْ وَلَّى هُوَ رَجُلًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَخْلُوقَيْنِ قَدِ اسْتُكْمِلَ بِالْآخَرِ، كَالْمُتَنَاظِرَيْنِ فِي الْعِلْمِ، وَالْمُتَشَاوِرَيْنِ فِي الرَّأْيِ، وَالْمُتَعَاوِنَيْنِ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي مَصْلَحَةِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا. وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ هَذَا فِي الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُمْكِنَاتِ الْمُحْدَثَاتِ فَاعِلٌ مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ، غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى أَحَدٍ ; لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى الدَّوْرِ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ وَالتَّسَلْسُلِ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَخْلُوقَانِ فَكِلَاهُمَا يَسْتَفِيدُ حَوْلَهُ وَقُوَّتَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنَ الْآخَرِ، فَلَا دَوْرَ فِي ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَا زَالَ الْمُتَعَلِّمُونَ يُنَبِّهُونَ مُعَلِّمَهُمْ عَلَى أَشْيَاءَ، وَيَسْتَفِيدُهَا الْمُعَلِّمُ مِنْهُمْ، مَعَ أَنَّ عَامَّةَ مَا عِنْدَ الْمُتَعَلِّمِ مِنَ الْأُصُولِ تَلَقَّاهَا مِنْ مُعَلِّمِهِ. وَكَذَلِكَ فِي الصُّنَّاعِ وَغَيْرِهِمْ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِ اسْتَفَادَ مِنَ الْخَضِرِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَقَدْ قَالَ الْهُدْهُدُ لِسُلَيْمَانَ: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 22] وَلَيْسَ الْهُدْهُدُ قَرِيبًا مِنْ سُلَيْمَانَ.
وَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ، وَكَانَ أَحْيَانًا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي الرَّأْيِ. كَمَا (?) قَالَ لَهُ الْحُبَابُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ: أَهُوَ مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَعَدَّاهُ، أَمْ هُوَ الْحَرْبُ