وَلَمَّا قَدِمَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرَيْنِ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُخَاطِبُ (?) النَّاسَ عَنْهُ، حَتَّى ظَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُمَا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنْ عُرِفَ بَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْقَاعِدُ.

وَكَانَ يَخْرُجُ مَعَهُ إِلَى الْوُفُودِ، فَيُخَاطِبُ الْوُفُودَ، وَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ فِي مَغِيبِهِ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الَّذِي خَطَبَ النَّاسَ. وَخَطَبَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ خُطْبَةً بَلِيغَةً، انْتَفَعَ بِهَا الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ: " كُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ أَحْلَمَ (?) مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا " (?) .

وَقَالَ أَنَسٌ: خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَحْنُ كَالثَّعَالِبِ، فَمَا زَالَ يُثَبِّتُنَا حَتَّى صِرْنَا كَالْأُسُودِ.

وَكَانَ زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ مِنْ أَخْطَبِ النَّاسِ وَأَبْلَغِهِمْ، حَتَّى قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ فَأَحْسَنَ، إِلَّا تَمَنَّيْتُ أَنْ يَسْكُتَ ; خَشْيَةَ أَنْ يَزِيدَ فَيُسِيءَ، إِلَّا زِيَادًا، كَانَ كُلَّمَا أَطَالَ أَجَادَ - أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَدْ كَتَبَ النَّاسُ خُطَبَ زِيَادٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015