وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَقْدَحُ فِي مَقْصُودِنَا هُنَا، فَإِنَّا لَمْ نَنْصُرْ (?) هَذَا الْقَوْلَ، وَلَكِنْ بَيَّنَّا امْتِنَاعَ قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَأَنَّ دَوَامَ الْحَوَادِثِ سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنًا أَوْ مُمْتَنَعًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ حُدُوثُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ (?) ، وَأَنَّ الْإِرَادَةَ سَوَاءٌ قِيلَ بِوُجُوبِ مُقَارَنَةِ مُرَادِهَا لَهَا أَوْ بِجَوَازِ تَأَخُّرِهِ عَنْهَا، يَلْزَمُ حُدُوثُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ عَلَى كُلٍّ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ (?) .

فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِتَأَخُّرِ مُرَادِهَا، إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الْقَوْلِ بِدَوَامِ الْحَوَادِثِ وَوُجُودِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَلْزَمُ حُدُوثُ الْعَالَمِ، وَإِلَّا فَلَوْ جَازَ دَوَامُ الْحَوَادِثِ، لَجَازَ عِنْدَهُمْ وُجُودُ الْمُرَادِ فِي الْأَزَلِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا بِتَأَخُّرِ الْمُرَادِ عَنِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ الْأَزَلِيَّةِ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ [بِلَا مُرَجِّحٍ] (?) وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الشَّنَاعَةِ عَلَيْهِمْ، وَنِسْبَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ إِلَى أَنَّهُمْ خَالَفُوا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ.

فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا صَارُوا إِلَى هَذَا الْقَوْلِ (?) ؛ لِاعْتِقَادِهِمُ امْتِنَاعَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، فَاحْتَاجُوا لِذَلِكَ أَنْ يُثْبِتُوا إِرَادَةً قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً يَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْمُرَادُ، وَيَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَاحْتَاجُوا أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ نَفْسَ الْإِرَادَةِ تُخَصِّصُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ.

وَإِلَّا فَلَوِ اعْتَقَدُوا جَوَازَ دَوَامِ الْحَوَادِثِ وَتَسَلْسُلِهَا، لَأَمْكَنَ أَنْ يَقُولُوا بِأَنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015