وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: مَوْجُودٌ لَا مَوْجُودٌ، وَوَاجِبٌ لَا وَاجِبٌ، وَهَذَا مُنْتَهَى أَمْرِهِمْ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ رَفْعُ النَّقِيضَيْنِ.
وَلِهَذَا يَصِيرُونَ إِلَى الْحَيْرَةِ وَيُعَظِّمُونَهَا، وَهِيَ عِنْدَهُمْ مُنْتَهَى مَعْرِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالْأَئِمَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ.
وَمِنْ أُصُولِ ضَلَالِهِمْ ظَنُّهُمْ أَنَّ هَذَا تَنْزِيهٌ عَنِ التَّشْبِيهِ، وَأَنَّهُمْ مَتَى وَصَفُوا بِصِفَةِ إِثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ كَانَ فِيهِ تَشْبِيهٌ بِذَلِكَ. وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ التَّشْبِيهَ الْمَنْفِيَّ عَنِ اللَّهِ هُوَ مَا كَانَ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ، أَوْ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ; بِحَيْثُ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُمْ، أَوْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا.
فَإِنَّ هَذَا هُوَ التَّمْثِيلُ الْمُمْتَنِعُ الْمَنْفِيُّ بِالْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ، فَيَمْتَنِعُ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ (?) ، وَيَمْتَنِعُ مُمَاثَلَةُ غَيْرِهِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَهَذَانِ جُمَّاعٌ لِمَا يُنَزَّهُ الرَّبُّ تَعَالَى عَنْهُ، كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
وَعَلَى هَذَا وَهَذَا دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سُورَةُ الْإِخْلَاصِ] ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الشَّوَاهِدِ (?) .
فَأَمَّا الْمُوَافَقَةُ فِي الِاسْمِ، كَحَيٍّ وَحَيٍّ، وَمَوْجُودٍ وَمَوْجُودٍ، وَعَلِيمٍ وَعَلِيمٍ - فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيَلْزَمُ مَنْ نَفَى هَذَا التَّعْطِيلُ الْمَحْضُ ; فَإِنَّ كُلَّ