وَابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ يَقُولُونَ: الْوُجُودُ الْوَاجِبُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ دُونَ السَّلْبِيَّةِ، وَهَذَا أَبْعَدُ عَنِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ مِنَ الْمُقَيَّدِ بِسَلْبِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا فِي الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ.
فَقُلْتُ لِأُولَئِكَ الْمُدَّعِينَ لِلتَّحْقِيقِ: أَنْتُمْ بَنَيْتُمْ أَمْرَكُمْ عَلَى الْقَوَانِينِ الْمَنْطِقِيَّةِ، وَهَذَا الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ النَّقِيضَيْنِ عَنْهُ، لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ (* بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ تَقْدِيرًا، وَإِلَّا فَإِذَا قَدَّرْنَا إِنْسَانًا مُطْلَقًا، وَاشْتَرَطْنَا فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْجُودًا وَلَا مَعْدُومًا، وَلَا وَاحِدًا وَلَا كَثِيرًا، لَمْ يُوجَدْ فِي الْخَارِجِ، بَلْ نَفْرِضُ فِي الذِّهْنِ، كَمَا نَفْرِضُ الْجَمْعَ بَيْنَ *) (?) النَّقِيضَيْنِ، فَفَرْضُ رَفْعِ (?) النَّقِيضَيْنِ كَفَرْضِ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.
وَلِهَذَا كَانَ هَؤُلَاءِ تَارَةً يَصِفُونَهُ بِجَمْعِ النَّقِيضَيْنِ أَوِ الْإِمْسَاكِ عَنْهُمَا، كَمَا يَفْعَلُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا (?) ، وَتَارَةً يَجْمَعُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، كَمَا يُوجَدُ أَيْضًا فِي كَلَامِ أَصْحَابِ " الْبِطَاقَةِ " وَغَيْرِهِمْ.
فَإِذَا قَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إِنَّهُ مُبْدِعُ الْعَالَمِ، وَشَرَطُوا فِيهِ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِثُبُوتٍ وَلَا انْتِفَاءٍ (?) - كَانَ تَنَاقُضًا ; فَإِنَّ كَوْنَهُ مُبْدِعًا لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا وَهَذَا.
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالُوا مَوْجُودٌ وَاجِبٌ، وَشَرَطُوا فِيهِ التَّجْرِيدَ عَنِ النَّقِيضَيْنِ - كَانَ تَنَاقُضًا.