وَبِكُلِّ حَالٍ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْبِدْعَةِ، أَنَّ الْقِتَالَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ لِمُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ، إِلَّا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهِمْ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ.
وَأَمَّا الْحَرْبُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَبَيْنَ عَلِيٍّ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُقَاتِلُ عَنْ نَفْسِهِ ظَانًّا أَنَّهُ يَدْفَعُ صَوْلَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ غَرَضٌ فِي قِتَالِهِمْ، وَلَا لَهُمْ غَرَضٌ فِي قِتَالِهِ، بَلْ كَانُوا قَبْلَ قُدُومِ عَلِيٍّ يَطْلُبُونَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَكَانَ لِلْقَتَلَةِ مِنْ قَبَائِلِهِمْ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ وَعَرَّفُوهُ مَقْصُودَهُمْ (?) ، عَرَّفَهُمْ أَنَّ هَذَا أَيْضًا رَأْيُهُ، لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ حَتَّى يَنْتَظِمَ الْأَمْرُ، فَلَمَّا عَلِمَ بَعْضُ الْقَتَلَةِ ذَلِكَ، حَمَلَ [عَلَى] أَحَدِ الْعَسْكَرَيْنِ (?) ، فَظَنَّ الْآخَرُونَ أَنَّهُمْ بَدَأُوا بِالْقِتَالِ، فَوَقَعَ الْقِتَالُ بِقَصْدِ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا بِقَصْدِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، ثُمَّ وَقَعَ قِتَالٌ عَلَى الْمُلْكِ.
فَلَمْ يَكُنْ مَا وَقَعَ قَدْحًا فِي خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، مِثْلَ الْفِتْنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ يَزِيدَ، ثُمَّ بَيْنَ مَرْوَانَ وَابْنِهِ. وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى مُوَالَاةِ عُثْمَانَ، وَقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ فَضْلًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
وَكَذَلِكَ الْفِتْنَةُ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ يَزِيدَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ - فِتْنَةُ الْحَرَّةِ - فَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَصْحَابِ السُّلْطَانِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَصْحَابِ يَزِيدَ، لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَصْلًا، بَلْ كَانَ كُلُّ مَنْ بِالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَّفِقِينَ عَلَى وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.