النَّاطِقُ الْمُتَكَلِّمُ بِالتَّوْحِيدِ، وَكَانَ هُوَ الْمُوَحِّدُ، وَهُوَ الْمُوَحَّدُ، لَا مُوَحِّدَ غَيْرَهُ.
وَحَقِيقَةُ هَذَا الْقَوْلِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَنْ يَصِيرَ الرَّبُّ وَالْعَبْدُ شَيْئًا وَاحِدًا، وَهُوَ الِاتِّحَادُ فَيَتَّحِدُ اللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ، كَمَا يَقُولُ النَّصَارَى: إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِمَا كَانَ يُسْمَعُ مِنَ الْمَسِيحِ هُوَ اللَّهُ. وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُ هُمْ رُسُلُ اللَّهِ، وَهُمْ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (?) .
وَلِهَذَا تَكَلَّمَ بِلَفْظِ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ طَائِفَةٌ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ وَقَعُوا فِي الِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ مُطْلَقًا وَمُعَيَّنًا، فَكَانُوا يُنْشِدُونَ قَصِيدَةَ ابْنِ الْفَارِضِ، وَيَتَحَلَّوْنَ بِمَا فِيهَا مِنْ تَحْقِيقِ الِاتِّحَادِ الْعَامِّ، وَيَرَوْنَ كُلَّ مَا فِي الْوُجُودِ هُوَ مَجْلًى وَمَظْهَرٌ، ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ الْحَقِّ، وَإِذَا رَأَى أَحَدُهُمْ مَنْظَرًا حَسَنًا (?) أَنْشَدَ:
يَتَجَلَّى فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ ... بِلِبَاسٍ (?) مِنَ الْجَمَالِ جَدِيدِ
وَيُنْشِدُ الْآخَرُ:
هَيْهَاتَ يَشْهَدُ نَاظِرَيْ مَعَكُمْ سِوَى ... إِذَا أَنْتُمْ عَيْنُ الْجَوَارِحِ وَالْقُوَى
(* وَيُنْشِدُ الثَّالِثُ:
أُعَايِنُ فِي كُلِّ الْوُجُودِ جَمَالَكُمْ ... وَأَسْمَعُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ نِدَاكُمُ (?)