وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَفِتْنَةِ الْقُرَّاءِ مَعَ الْحَجَّاجِ، وَفِتْنَةِ مَرْوَانَ بِالشَّامِ: هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا يُقَاتِلُونَ عَلَى الدُّنْيَا، وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ كَالْخَوَارِجِ فَهُمْ يُرِيدُونَ إِفْسَادَ دِينِ النَّاسِ، فَقِتَالُهُمْ قِتَالٌ عَلَى (?) الدِّينِ.

وَالْمَقْصُودُ بِقِتَالِهِمْ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. فَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ.

وَلِهَذَا كَانَ قِتَالُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْخَوَارِجِ (?) ثَابِتًا بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ، وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَائِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا قِتَالُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَكَانَ قِتَالَ فِتْنَةٍ، كَرِهَهُ فُضَلَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ. حَتَّى الَّذِينَ حَضَرُوهُ كَانُوا كَارِهِينَ لَهُ، فَكَانَ كَارِهُهُ فِي الْأُمَّةِ أَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِنْ حَامِدِهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَسِّمُ مَالًا فَجَاءَ ذُو الْخُوَيْصِرَةَ التَّمِيمِيُّ، وَهُوَ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، نَاتِئِ الْجَبِينِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ. فَقَالَ: " وَيْحَكَ وَمَنْ (?) يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ " ثُمَّ قَالَ: أَيَأْمَنُنِي (?) مَنْ فِي السَّمَاءِ وَلَا تَأْمَنُونِي (?) ؟ " فَقَالَ لَهُ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ: دَعْنِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015