[سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 8] وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِسَبَبِ بُغْضِهِمْ لِلْكَفَّارِ، وَهُوَ بُغْضٌ مَأْمُورٌ بِهِ. فَإِذَا كَانَ الْبُغْضُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ قَدْ نُهِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يَظْلِمَ مَنْ أَبْغَضَهُ (?) ، فَكَيْفَ فِي بُغْضِ مُسْلِمٍ بِتَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ أَوْ بِهَوَى نَفْسٍ؟ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ لَا يَظْلِمَ، بَلْ يَعْدِلَ عَلَيْهِ (?) .
وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ مَنْ عَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. وَالْعَدْلُ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْأَرْضِ عَلَى مَدْحِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِهِ وَمَحَبَّتِهِمْ. وَالظُّلْمُ مِمَّا اتَّفَقُوا (?) عَلَى بُغْضِهِ وَذَمِّهِ (?) وَتَقْبِيحِهِ، وَذَمِّ أَهْلِهِ وَبُغْضِهِمْ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الْكَلَامَ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ، فَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ (?) ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الْعَدْلَ مَحْمُودٌ مَحْبُوبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَحْبُوبٌ فِي النُّفُوسِ، مَرْكُوزٌ حُبُّهُ فِي الْقُلُوبِ، تُحِبُّهُ الْقُلُوبُ وَتَحْمَدُهُ، وَهُوَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْقُلُوبُ، وَالظُّلْمُ مِنَ الْمُنْكَرِ الَّذِي تُنْكِرُهُ الْقُلُوبُ فَتُبْغِضُهُ وَتَذُمُّهُ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ الرُّسُلَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 25] (?) . وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}