[سُورَةُ الطَّلَاقِ: 7] ، وَأَمَرَ بِتَقْوَاهُ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ فَقَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] ، وَقَدْ دَعَاهُ الْمُؤْمِنُونَ بِقَوْلِهِمْ: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 286] فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ (?) .
فَدَلَّتْ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا مَا تَعْجِزُ عَنْهُ، خِلَافًا لِلْجَهْمِيَّةِ الْمُجَبِّرَةِ (?) وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ الْمُخْطِئَ وَالنَّاسِيَ، خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَهَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْبَابِ.
فَالْمُجْتَهِدُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إِمَامٍ وَحَاكِمٍ وَعَالِمٍ وَنَاظِرٍ وَمُنَاظِرٍ وَمُفْتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِذَا اجْتَهَدَ وَاسْتَدَلَّ فَاتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ، كَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي كَلَّفَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، وَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّوَابِ إِذَا اتَّقَاهُ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ الْبَتَّةَ، خِلَافًا لِلْجَهْمِيَّةِ الْمُجَبِّرَةِ (?) ، وَهُوَ مُصِيبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ، لَكِنْ قَدْ يَعْلَمُ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَدْ لَا يَعْلَمُهُ، خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: كُلُّ مَنِ اسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ عَلِمَ الْحَقَّ، فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ؛ بَلْ كُلُّ مَنِ اسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ اسْتَحَقَّ الثَّوَابَ.
وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ مَنْ بَلَغَتْهُ (?) دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَارِ الْكُفْرِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَآمَنَ بِهِ، وَآمَنَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وَاتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ، كَمَا فَعَلَ النَّجَاشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْهِجْرَةُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ.