إِذْنِهِ؛ فَالْإِنْسَانُ يُوصَفُ بِالظُّلْمِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ رَبِّهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ (?) يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَالرَّبُّ تَعَالَى لَيْسَ فَوْقَهُ آمِرٌ، وَلَا لِغَيْرِهِ مُلْكٌ، بَلْ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي مُلْكِهِ، فَكُلُّ مَا يُمْكِنُ فَلَيْسَ بِظُلْمٍ؛ بَلْ إِذَا نَعَّمَ فِرْعَوْنَ وَأَبَا جَهْلٍ وَأَمْثَالَهُمَا مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَعَصَاهُ، وَعَذَّبَ مُوسَى وَمُحَمَّدًا مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ فَهُوَ مِثْلُ الْعَكْسِ، الْجَمِيعُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ. وَلَكِنْ لَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ يُنَعِّمُ الْمُطِيعِينَ وَأَنَّهُ يُعَذِّبُ الْعُصَاةَ صَارَ ذَلِكَ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ لِخَبَرِهِ الصَّادِقِ، لَا لِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ. وَالْأَعْمَالُ عَلَامَاتٌ عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، لَيْسَتْ أَسْبَابًا.
فَهَذَا قَوْلُ جَهْمٍ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ وَافَقَهُ كَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَتْبَاعِ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا جَوَّزَ هَؤُلَاءِ أَنْ يُعَذِّبَ الْعَاجِزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَلَوِ اجْتَهَدَ، فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَسْبَابٌ لِلْحَوَادِثِ وَلَا حِكَمٌ، وَلَا فِي الْأَفْعَالِ صِفَاتٌ لِأَجْلِهَا كَانَتْ مَأْمُورًا بِهَا وَمَنْهِيًّا عَنْهَا، بَلْ عِنْدَهُمْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ (لَامُ كَيْ) .
وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ فَيُثْبِتُونَ لَهُ شَرِيعَةً فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى عِبَادِهِ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ فِي مَوَاضِعَ، وَذَكَرْنَا فَصْلًا فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِيمَا تَقَدَّمَ، لَمَّا تَكَلَّمْنَا عَلَى مَا نَسَبَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ إِلَى جَمِيعِ (?) أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ وَالتَّفْضِيلِ، بَلْ مِنَ الشِّيعَةِ مَنْ يَقُولُ بِالْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَفِي أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا وَبِهَذَا.