وَالسُّنَّةِ: هَلْ أَرَادَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَذَا وَكَذَا؟ وَكَتَنَازُعِ النَّاسِ فِي دَقِيقِ الْكَلَامِ: كَمَسْأَلَةِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ، وَبَقَاءِ الْأَعْرَاضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ; فَلَيْسَ فِي هَذَا تَكْفِيرٌ وَلَا تَفْسِيقٌ.
قَالُوا: وَالْمَسَائِلُ الْعَمَلِيَّةُ فِيهَا عِلْمٌ وَعَمَلٌ؛ فَإِذَا كَانَ الْخَطَأُ مَغْفُورًا فِيهَا (?) ، فَالَّتِي فِيهَا عِلْمٌ بِلَا عَمَلٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ فِيهَا مَغْفُورًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَسَائِلُ الْأُصُولِيَّةُ هِيَ مَا كَانَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، وَالْفَرْعِيَّةُ (?) مَا لَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ.
قَالَ أُولَئِكَ: وَهَذَا الْفَرْقُ خَطَأٌ أَيْضًا؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ عَلَيْهَا أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عِنْدَ مَنْ عَرَفَهَا، وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَعْرِفْهَا، وَفِيهَا مَا هُوَ قَطْعِيٌّ بِالْإِجْمَاعِ، كَتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَوُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ، ثُمَّ لَوْ أَنْكَرَهَا الرَّجُلُ بِجَهْلٍ وَتَأْوِيلٍ لَمْ يَكْفُرْ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، كَمَا أَنَّ جَمَاعَةً اسْتَحَلُّوا شُرْبَ (?) الْخَمْرِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، مِنْهُمْ قُدَامَةُ، وَرَأَوْا أَنَّهَا حَلَالٌ لَهُمْ، وَلَمْ يُكَفِّرْهُمُ الصَّحَابَةُ حَتَّى بَيَّنُوا لَهُمْ خَطَأَهُمْ فَتَابُوا وَرَجَعُوا.
وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَائِفَةٌ أَكَلُوا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ (?) لَهُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، وَلَمْ يُؤَثِّمْهُمْ (?) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضْلًا عَنْ تَكْفِيرِهِمْ، وَخَطَؤُهُمْ قَطْعِيٌّ.
وَكَذَلِكَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَدْ قَتَلَ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ، وَكَانَ خَطَؤُهُ قَطْعِيًّا.