مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ. وَانْتَقَلَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى أَقْوَامٍ تَكَلَّمُوا بِذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَلَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ هَذَا الْقَوْلِ وَلَا غَوْرَهُ.
قَالُوا: وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَسَائِلِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ كَمَا أَنَّهُ بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ (?) فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إِجْمَاعٌ، بَلْ وَلَا قَالَهَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ عَقْلًا ; فَإِنَّ الْمُفَرِّقِينَ (?) بَيْنَ مَا جَعَلُوهُ مَسَائِلَ أُصُولٍ وَمَسَائِلَ فُرُوعٍ لَمْ يُفَرِّقُوا (?) بَيْنَهُمَا بِفَرْقٍ صَحِيحٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، بَلْ ذَكَرُوا ثَلَاثَةَ فُرُوقٍ أَوْ أَرْبَعَةً كُلُّهَا بَاطِلَةٌ.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَسَائِلُ الْأُصُولِ هِيَ الْعِلْمِيَّةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالِاعْتِقَادُ فَقَطْ، وَمَسَائِلُ الْفُرُوعِ هِيَ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الْعَمَلُ.
قَالُوا: وَهَذَا فَرْقٌ (?) بَاطِلٌ ; فَإِنَّ الْمَسَائِلَ الْعَمَلِيَّةَ فِيهَا مَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، مِثْلَ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالرِّبَا وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ. وَفِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ مَا لَا يَأْثَمُ الْمُتَنَازِعُونَ فِيهِ، كَتَنَازُعِ الصَّحَابَةِ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي بَعْضِ النُّصُوصِ هَلْ قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا؟ وَمَا أَرَادَ بِمَعْنَاهُ؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ: هَلْ هِيَ مِنَ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي بَعْضِ مَعَانِي الْقُرْآنِ