النَّارِ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ كَالْخَوَارِجِ (?) وَالْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضِ الشِّيعَةِ، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ لَا يَجْتَمِعُ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ.
وَقَدِ اسْتَفَاضَتِ السُّنَنُ النَّبَوِيَّةُ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ قَوْمٌ بِالشَّفَاعَةِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَالَّذِي يُجَوِّزُ لَعْنَةَ يَزِيدَ [وَأَمْثَالِهِ] (?) يَحْتَاجُ إِلَى شَيْئَيْنِ: إِلَى ثُبُوتِ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْفُسَّاقِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ تُبَاحُ لَعْنَتُهُمْ، [وَأَنَّهُ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ] (?) . وَالثَّانِي: أَنَّ لَعْنَةَ الْمُعَيَّنِ مِنْ هَؤُلَاءِ جَائِزَةٌ. وَالْمُنَازِعُ يَطْعَنُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ، لَا سِيَّمَا الْأُولَى.
فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ هُودٍ: 18] فَهِيَ آيَةٌ عَامَّةٌ كَآيَاتِ الْوَعِيدِ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 10] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ سَبَبُ اللَّعْنِ وَالْعَذَابِ، لَكِنْ قَدْ يَرْتَفِعُ مُوجِبُهُ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ: إِمَّا تَوْبَةٍ، وَإِمَّا حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، وَإِمَّا مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ. فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ أَنَّ يَزِيدَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الظَّلَمَةِ لَمْ يَتُبْ مِنْ هَذِهِ (?) ؟ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ مَاحِيَةٌ تَمْحُو ظُلْمَهُ؟ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ؟ [وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى] (?) : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 48] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (?)