وَكَذَلِكَ إِذَا أَعْطَى غَيْرَهُ سَيْفًا لِيُقَاتِلَ بِهِ الْكُفَّارَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ بِهِ إِلَّا الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ، لَكَانَ ذَلِكَ قَبِيحًا مِنْهُ. وَإِنْ قَالَ: قَصَدْتُ تَعْرِيضَ هَذَا لِلثَّوَابِ، وَاللَّهُ لَا يَقْبُحُ ذَلِكَ مِنْهُ (?) ، وَهَذَا (?) حَالُ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ، وَالْقَدَرِيَّةُ مُشَبِّهَةُ الْأَفْعَالِ: قَاسُوا أَفْعَالَ اللَّهِ عَلَى أَفْعَالِ خَلْقِهِ، وَعَدْلَهُ عَلَى عَدْلِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ.
[الْوَجْهُ] (?) الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ الْمَعْصِيَةُ مِنَ الْعَبْدِ كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ مِنَ الْعَبْدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الطَّاعَةُ مِنْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ فَعَلَهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ فَاعِلًا لَهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ.
كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 128] ، وَقَالَ: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 40] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] .
وَلِأَنَّ كَوْنَهُ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، وَالْعَبْدُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْفَاعِلُ لِكَوْنِهِ فَاعِلًا ; لِأَنَّ كَوْنَهُ فَاعِلًا (?) إِنْ كَانَ حَدَثَ بِنَفْسِ كَوْنِهِ فَاعِلًا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ حَدَثَ (?) بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.