واستعانوا بملئهم من العجم والعرب، ونسبوه إلى ما يستحي من ذكره أهل العقل والأدب فضلاً عن ذوي العلم والرتب، وزعموا أنه خارجي مخالف للسنة والجماعة، كمقالة أسلافهم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه صابئ صاحب إفك وصناعة.
ومن سنة أربع وخمسين ومائتين يبلغنا ويرفع إلينا عن رجل من أهل العراق أنه تصدّى لجمع تلك الشبه من أماكنها وتتبعها من مظانها فصار يبدي من الشبهات ما يمج سماعه، ويكفي الناقد في رده نظره واطلاعه؛ ويظهر بطلانه ببدائه العقول ولا يتوقف الحكم بفساده على نظر في المعقول والمنقول. وقد رفع إليَّ رسالة سماها "صلح الإخوان" فيها من تحريف الكلم عن مواضعه والكذب على أهل العلم وعدم الفقه فيما ينقله ويحكيه من كلامهم ما يحصيه إلا الله. ورأيته قد زاد على من قبله من المعارضين بزيادات وضلالات تليق بتلك الفهوم والقلوب والمقفلات {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: من الآية8] والمؤمن إذا وقف على كلام هذا الرجل عرف قدر ما هو فيه من نعمة الإسلام، وما اختص به من حلل الإيمان والإكرام. فازداد تعظيماً لربه وتمجيداً، وإخلاصاً في معاملته وتوحيداً.
لوشاء ربك كنت أيضاً مثلهم ... فالقلب بين أصابع الرحمن
وقد عنّ لي أولاً أن أطرح هذر كلامه وأن لا أعرج على رد إفكه وآثامه، لظهور هجنته في نفسه، وأنه مما يتنزه العاقل عن إفكه وحدسه. ثم بدا لي أن لكل ساقطة لاقطة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه لما قال أبو سفيان يوم أحد: أفيكم محمد أفيكم أبو بكر، أفيكم ابن الخطاب؟ "لا تجيبوه" تهاونا به وتحقيراً لشأنه. فلما قال: اعلُ هُبل، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "قولوا: الله أعلى وأجل" ولما قال: لنا العزّى ولا عُزى لكم قال لهم: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم" والبلاغة كما قيل: مطابقة الكلام لمقتضى الحال.