وعليها أبو أيوب الأنصاريّ، وعلى الرجالة أبو قتادة الأنصاري، فلما عطفت عليهم الخيل والرجال وتداعا عليهم الناس ما لبثوا أن أناموهم، فأهلكوا في ساعة واحدة، فكأنما قيل لهم موتوا فماتوا. وقتل ابن وهب وحرقوص وسائر سراتهم، وفتش علي في القتلى والتمس المخدّج الذي وصفه له النّبيّ صلى الله عليه وسلّم في حديث الخوارج، فوجده في حفرة على شاطئ النهر، فنظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع كثدي المرأة وحلمة عليها شعرات سود، فإذا مدت امتدت حتى تحاذي يده الطولى، فلما رآها علي قال: "الله أكبر، والله ما كذبت ولا كذبت، والله لولا أتنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلّم لمن قتلهم متصبّراً في قتالهم، عارفاً للحق الذي نحن عليه" وقال حين مرّ بهم وهم صرعى: "بؤساً لكم، لقد ضرّكم من غرّكم" قالوا: يا أمير المؤمنين، من غرّهم؟ قال: "الشيطان، ونفس أمارة بالسوء غرتهم بالأماني وزينت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون" هذا ملخص أمرهم.
وقد عرفت شبهتهم التي جزموا لأجلها بكفر علي وشيعته، ومعاوية وأصحابة، وبقي معتقدهم في أناس متفرقين بعد هذه الوقعة، ثم اجتمعت لهم شوكة ودولة فقاتلهم المهلب بن أبي صفرة، وقاتلهم الحجاج بن يوسف، وقاتلهم قبله ابن الزبير زمن أخيه عبد الله، وشاع عنهم التكفير بالذنوب، يعني ما دو نالشرك.
وبهذا تعرف حقيقة الحال، ويزول الإشكال الذي نشأت منه الشبهة، وما أحسن ما قال العلامة ابن القيم في نونيته:
ومن العجائب أنهم قالوا لمن ... قد دان بالآثار والقرآن
أنتم بذا مثل الخوارج إنهم ... أخذوا الظواهر، ما اهتدوا لمعان
وهذا داء قديم من أهل الشرك والتعطيل: من كفّر بعبادتهم غير الله وتعطيل أوصافه وخقائق أسمائه، قالوا له: أنت مثل الخوارج، يكفرون بالذنوب ويأخذون بظواهر الآيات.