الشّام بعد أهله؟ من لثغور العراق بعد أهله؟ فلما رآها الناس: قالوا: نجيب إلى كتاب الله. فقال لهم علي: عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم، فإنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعلم بهم منكم، والله ما رفعوها إلا خديعة ووهنا ومكيدة. قالوا: لا يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله، وقال لهم علي: إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم الكتاب، فإنهم قد عصوا الله ونسوا عهده. فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي في عصابة من القراء: يا علي أجب إلى كتاب الله عز وجل إذا دعيت إليه، وإلا دفعناك برمتك إلى القوم، أو نفعل بك كما فعلنا بابن عفان، فلم يزالوا به حتى نهى الناس عن القتال، ووقع السباب بينهم وبين الأشتر وغيره ممن يرون عدم التحكيم. فقال الناس: قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكماً، فجاء الأشعث بن قيس إلى علي، فقال: إن الناس قد رضوا بما دعوهم إليه من حكم القرآن، إن شئت أتيت معاوية، قال على: ائته، فأتاه، فسأله لأي شيء رفعوا المصاحف؟ قال: لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه، تبعثون رجلاً ترضون به، ونبعث رجلاً نرضى به، فنأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوان عنه، فعاد إلى علي فأخبره، فقال الناس: قد رضينا. فقال أهل الشام: رضينا عمرو بن العاص، وقال الأشعث وأولئك القوم الذين صاروا خوارج: فإنا قد رضينا بأبي موسى الأشعريّ فراودهم علي على غيره، وأراد ابن عباس، فقالوا: والله لا نبالي أنت كنت حكمها أم ابن عباس، ولا نرضى إلا رجلاً منك ومن معاوية سواء، وألحوا في ذلك وأبوا غير أبي موسى، فوافقهم علي كارهها، وكتب كتاب التحكيم (?) ، فلما قرئ الكتاب على الناس سمعه عروة بن أدية أخو أبي بلال. فقال: تحكمون في أمر الله الرجال، لا حكم إلا لله، وشد بسيفه فضرب دابة من قرأ الكتاب، وكان ذلك أول ما ظهرت الحرورية الخوارج وفشت العداوة بينهم وبين عسكر علي، وقطعوا الطريق في إيابهم بالشتائم والتضارب بالسياط، تقول الخوارج: يا أعداء الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015