مخصص يقتضي ذلك تحكم محض، وترجيح بلا مرجح.
وأما قوله: وذكر مسلم أحاديث فيها إطلاق الكفر على المحرم وعلى المكروه ـ فقد كذب على مسلم، وكذب على الرسول صلى الله عليه وسلّم في زعمه أنه أطلق الكفر على المكروه بالمعنى الاصطلاحي الذي يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، وإنما تطلق الكراهة في عرف القرآن والسنة على الكفر والشرك والكبائر وسائر المحرمات. كما في آية الإسراء وكما في الحديث: "ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
وأما قوله: "وإذا كان كلام المعصوم الذي لا يترك من قوله ـ اتفق العلماء على تأويل إطلاق ما يوهم الإخراج من الملة، فكيف غير المعصوم؟ ".
فيقال: حكاية الاتفاق على ما ذكر تهور في الكذب على أهل العلم كافة، واقتحام لجرائم الوعيد المنصوص عليه بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:105] وقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] ، وقد حمى الله أهل العلم عن الاتفاق على تأويل الاطلاقات النبوية من غير نص يجب المصير إليه، وقد تقدم عن الإمام أحمد أنه حكى عن السلف إمرار هذه الأحاديث كما جاءت من غير تعرض لتأويلها، ومن قال: هي كفر عملي لم يتأول، ولكنه يرى أن إطلاق الكفر على مثل ذلك حقيقة شرعية، كما يعلم بالوقوف على كلامهم رحمهم الله، فطالعها في أماكنها تجد ما قلناه، ويتضح لك ما قررناه.
وأما قوله في الشيخ وتلميذه: إنه من أوسط طبقات العلماء فكأنه يريد أنهما ليسا من الطبقة العليا، بل دون ذلك، وما أحس ما قال جرير:
ما أنت بالحكم الترضى حكمته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
وأما قوله: فقد تحقق عندك من نقل عباراتهما أنهما لا يحكمان على أحد بالشرك أو الكفر إلا ومرادهما: الأصغر ممن يعتقد الشهادتين ـ إلى أخره، فقد