العرب في الجاهلية ويستنصرون عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلّم قبل ظهوره، فيفتح لهم وينصرون، فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلّم كفروا به وجحدوا نبوته، فاستفتاحهم به مع جحد نبوته مما لا يجتمعان؛ فإن كان استفتاحهم به لأنه نبي كان جحد نبوته محالاً، وإن كان جحد نبوته كما يزعمون حقاً كان استفتاحهم باطلاً. وهذا مما لا جواب لأعدائه عنه البتة" انتهى.
وذكر المفسرون أن استفتاحهم به ـ يعني اليهود ـ قبل ظهوره للوجود هو قولهم: اللهم بحرمة هذا النبي الذي يكون آخر الزمان انصرنا وافتح لنا، فينصرون ويفتح لهم، ورأيت في بعض حواشي البيضاوي نقلاً عن السعد التفتازاني قال: والأظهر أنهم كانوا يطلبون الفتح من الله عليهم متوسلين بذكره صلى الله عليه وسلّم ويجعلون اسمه شفيعاً" انتهى.
والجواب أن يقال:
ليس في كلام ابن القيم ما يدل على مسألة النزاع، وليس في كلام المفسرين ما يدل على ذلك، هل قال أحد: إنهم يسألونه الفتح والنصر على أعدائهم من المشركين وأن الآية دلت على هذا بوجه من الوجوه؟ هذا لا يقوله عاقل فضلاً عن المسلم فضلاً عن العالم، سبحان الله وتعالى عما يشركون، وإنما كان استفتاحهم به طلب الفتح بخروج محمد النبي الذي بشرت به الأنبياء وذكرت صفته ونعته في التوراة الذي أظل زمان خروجه، هذا الذي ذكره المفسرون كابن جرير، وابن كثير، وأمثالهم من الأئمة الذين إليهم المرجع في علم التأويل، وما نقله العراقي لم يقله المفسرون، وإنما نقله بعضهم كالفرطبي، فكلام العراقي مجازفة.
قال ابن كثير: يقول تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ} يعني اليهود {كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} يعني من التوراة، وقوله: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} وقد كانوا من قبل مجيء الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون: إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقاتلكم معه فنقتلكم قتل عاد وإرم. ثم ذكر حديث عاصم بن عمر، وذكر قول ابن عباس {يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}