فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة، لحاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم، فأمّا القادر على كل شيء الغني بذاته عن كل شىء، العالم بكل شيء، الرحمن الرحيم الذى وسعت رحمته كل شىء، فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه تنقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده، وظن به ظن سوء وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده، ويمتنع فى العقول والفطر وقبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبح.
يوضح هذا أن العابد معظم لمعبوده متأله خاضع ذليل له، والرّب تبارك وتعالى وحده هو الذى يستحق كمال التعظيم والإجلال والتأله والخضوع والذل، وهذا خالص حقه فمن أقبح الظلم أن يعطى حقه لغيره ويشرك بينه وبينه فيه، ولا سيما إذا كان الذى جعل شريكه فى حقه هو عبده ومملوكه كما قال تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الروم: من الآية28] أي إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريك له فى رزقه فكيف تجعلون لى من عبيدي شركاء فيما أنا منفرد به، وهو الإلهية التى لا تنبغي لغيري، ولا تصلح لسواي؟ فمن زعم ذلك فما قدرني حق قدري ولا عظمني حق تعظيمي، ولا أفردني بما أنا منفرد به وحدي دون خلقى؛ فما قدر الله حق قدره من عبد معه غيره، كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] فما قدر من هذا شأنه وعظمته حق قدره من أشرك معه فى عبادته من ليس له شأن من ذلك البتة، بل هو أعجز شىء وأضعفه فما قدر القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل، وكذلك ما قدره حق قدره من قال: إنه لم يرسل إلى خلقه رسولاً، ولا أنزل كتاباً، بل نسبه إلى ما لا يليق به ولا يحسن منه، من إهمال خلقه وتركهم سدى، وخلقهم باطلاً وعبثاً، وما قدره حق قدره من نفى حقائق أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فنفى سمعه وبصره وإرادته واختياره وعلوه فوق خلقه، وكلامه وتكليمه لمن شاء من خلقه بما يريد أو نفى عموم