فانظر رحمك الله إلى تصريحه بكفر هذا الصنف الذين هم محل النزاع، وأن من فعل ذلك قتل بعد الاستتابة إن لن يتب، وهذا عين كلامنا.
فالتشبيه في هذه المسألة بخير الذي أمر أهله أن يذروه، أو بقول الشيخ: إن المخطئ لا يكفر إذا اجتهد واتقى، ونحو هذه العبارات تمويه وتشبيه.
والنزاع فيمن قامت عليه الحجة، أو أمكنه الاستدلال، لا فيما يخفى من المسائل، أو كان مما يختص أهل العلم بمعرفته. فهذا نحوه ليس مما نحن فيه، وإيراده والاحتجاج به على مسألة النزاع تمويه لا يروج على أهل البصائر.
قال العراقي: النقل السادس والعشرون: وقال أيضاً في بعض كتبه ونقله الشيخ سليمان بن عبد الوهاب في ردّه على أخيه قال: "إني دائماً ومن جالسني يعلم أني من أعظم الناس نهيًا عن أن ينسب معين إلى تكفير، أو تفسيق، أو معصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة، وفاسقًا أخرى، وعاصيًا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية والمسائل العملية.
وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولا يشهد أحد منهم على معين لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية، كما أنكر شريح قراءة: {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] وقال: إن الله لا يعجب ـ إلى أن قال ـ: وقد آل النزاع بين السلف إلى الاقتتال مع اتفاق أهل السنة أنّ الطائفتين جميعًا مؤمنتان؛ وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم؛ لأن المقاتل وإن كان باغيًا فهو متأول، والتأويل يمنع الفسوق.
وكنت أبين لهم أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا، ونحو هذا حق، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين. وهذا أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة [الوعيد] ، فإن نصوص الوعيد في القرآن مطلقة عامة، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10] ، وكذلك سائر ما ورد: من فعل كذا وكذا فهو كذا، فإن هذه النصوص مطلقة عامة.
وهي بمنزلة من قال من السلف: من قال كذا، فهو كذا. ـ إلى أن قال: والتكفير يكون من الوعيد،