قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب طبقات المكلفين ـ بعد أن ذكر الطبقة السادسة عشرة ـ: "رؤوس الكفر وأئمته ودعاته الذين كفروا وصدوا عباد الله عن الإيمان وعن الدخول في دين الله رغبة ورهبة، فهؤلاء عذابهم مضاعف، ولهم عذابان: عذاب بالكفر، وعذاب بصد الناس عن الدخول في الإيمان قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: من الآية88]ـ وأطال الكلام في تغليظ كفر هذه الطبقة، ومضاعفة عذابهم ـ، ثم ذكر الطبقة السابعة عشرة، فقال: "الطبقة السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفار وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبع يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: من الآية22] ولنا أسوة بهم، ومع هذا فإنهم مسالمون لأهل الإسلام غير محاربين لهم كنساء المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصب له أولئك أنفسهم من السعي في إطفاء نور الله، وهدم دينه وإخماد كلماته، بل هم بمنزلة الدواب، وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم، إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة. وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: "ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" فأخبر أن أبويه ينقلانه عن الفطرة إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية ولم يعتقد في ذلك غير المربي والمنشأ على ما عليه الأبوان، وصح عنه أنه قال: "إنّ الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة". وهذا المقلد ليس بمسلم وهو عاقل مكلف، والعاقل لا يخرج عن الإسلام أو الفكر. وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف في تلك الحال، وهو بمنزلة الأطفال والمجانين وقد تقدم الكلام عليهم.
قلت: وهذا الصنف ـ أعني من لم تبلغهم الدعوة ـ الذين استثناهم شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقل عنه العراقي، واستثناهم شيخنا الشيخ محمد رحمه