النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك. وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات: يثاب الرجل على ما معه من العلم، ويغفر له لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر لمن قامت عليه الحجة، كما في الحديث المعروف: " يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة، ولا صيامًا، ولا حجًا، ولا عمرة، إلا الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة. ويقولون: أدركنا آباءنا يقولون: لا إله إلا الله فقيل لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار، تنجيهم من النار، تنجيهم من النار".
وأصل ذلك: أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع، يقال: هي كفر قولا مطلقاً، كما دل على ذلك الدليل الشرعي؛ فإن الإيمان والتكفير من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم. ولا يجب أن يحكى في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير، وتنتفى موانعه، مثل من قال: شرب الخمر أو الربا حلال؛ لقرب عهده بالإسلام، والنشأة ببلاد بعيدة، أو سمع كلاما أنكره ولا يعتقد أنه من القرآن ولا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حيث لم يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، وكان الصحابة يشكون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك، ومثل الذي قال لأهله: " إذا أنا مِتُّ فاسحقوني، ثم ذروني في اليم؛ فلعلي أضل الله" ونحو ذلك؛ فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة الرسالية، وقد عفى الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان. وقد أشبعنا الكلام عليها في أماكنها، والفتوى لا تحتمل البسط أكثر من هذا. والله أعلم ". انتهى.
قال العراقي ـ بعد نقله لهذا ـ: "فتأمل كلام شيخ الإسلام في هذه الطائفة القلندرية وأشباههم، مع قوله: "إن أكثرهم لا يؤمن بالله ورسوله، وقوله: لا يرون وجوب الصلاة والصيام، ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله، وكثير منهم أكفر من اليهود والنصارى، وأنهم يخالفون الدين الذي بعث الله به رسوله باطنا وظاهراً، وأنهم يعتقدون أن شيخهم يرزقهم وينصرهم ويهديهم ويغيثهم، ويعبدون شيوخهم ويسجدون لهم، ويفضلون شيوخهم على النبي صلى الله عليه وسلّم وكل واحدة من