يسأل بعد الموت لا استغفارا ولا غيره وكلامه المنصوص عنه وعن أمثاله ينافي هذا.
ثم قال: "وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء عن أعرابي أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتلا هذه الآية وأنشد بيتين ـ وذكرهما الشيخ، ثم قال ـ: ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك، واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل من غيرهم، بل قضاء الله حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله لها أسباب وقد بسطت في غير هذا الموضع. وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعاً مأموراً به، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل في حياته المسألة فيعطيها لا يرد سائلا وتكون المسألة محرمة في حق السائل حتى قال: "إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا قالوا يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل". وقد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحا ولا يكون عالما أنه منهي عنه فيثاب على حسن قصده ويعفى عنه، لعدم علمه وهذا باب واسع. وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها قد يفعلها بعض الناس ويحصل له بها نوع من الفائدة، وذلك لا يدل على أنها مشروعة بل لو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهي عنها، ثم الفاعل قد يكون متأولا أو مخطئا أو مقلدا فيغفر له خطؤه ويثاب على ما فعله من الخير المشروع المقرون بغير المشروع كالمجتهد المخطئ" انتهى.
فانظر إلى هذا التحريف والتبديل الذي لم يسبقه إلى مثله من الأمة سابق، ولا يستحله إلا زنديق منافق. فقد حذف أول الكلام وما سيق لأجله، وحذف قول الشيخ: "فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة فيما أعلم ولم يذكر أحد منهم استحب أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الموت لا استغفاراً ولا غيره، وكلام مالك المنصوص عنه وعن أمثاله ينافي هذا.