الأسباب التي يخلق الله بها الحوادث في الأرض والسماء لا يحصيها على الحقيقة إلا هو"، وقوله: "والكلام في بيان تأثير بعض هذه الأسباب قد يكون فتنة لمن ضعف عقله ودينه بحيث يختطف عقله بحيث يتألهه، إذا لم يرزق من العلم والإيمان ما يوجب له الهدى واليقين" وقف على قول الشيخ فيما مر: "بل أشد من ذلك، ألست ترى السحر والطلسمات والعين وغير ذلك من المؤثرات في العالم بإذن الله قد يقضى بها كثير من أغراض النفوس، ومع هذا فقد قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} الآية (البقرة: من الآية102) "، وتأمّل ما مرّ من قوله: "وأما التحريم من جهة الطلب فيكون تارة دعاء لغير الله، مثل ما يفعله السحرة من مخاطبة الكواكب وعبادتها ونحو ذلك، فإنه قد يقضي عقب ذلك أنواع من القضاء إذا لم يعارضه معارض من دعاء أهل الإيمان وعبادتهم وغير ذلك، ولهذا تنفذ هذه الأمور في أزمان فترة الرسل وفي بلاد الكفر والنفاق، ما لا تنفذ في دار الإيمان وزمانه، ومن هذا أني أعرف رجالاً يستغيثون ببعض الأحياء".
فإن هذا الكلام صريح في أن المدعو والمستغاث لا شعور لهم ولا علم عندهم بدعاء من يدعوهم مع الله تعالى، وأن الله هو الفاعل لذلك من غير واسطة. وهذا يشهد له قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (الاحقاف:5 ـ6) .
والشيخ رحمه الله قصد هذا المعنى، وأن إجابة الله دعاء من يدعو الملائكة والأنبياء والصالحين مع الله لا يستدل به على مشروعية أنه دين قد أذن فيه تعالى، فإن أسباب الحوادث القدرية والقضايا الكونية لا تصلح دليلا على الأحكام الشرعية العملية، قال تعالى: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} (الاسراء:20) ، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا} الآية (النحل: من الآية 35) ، فأنكر تعالى عليهم الاحتجاج بالمشيئة والقدر، على أنه يرضى ما جاءوا به من الشرك واتخاذ الأنداد من دونه.