وجميع الكفار، إلا من عاند منهم، قد أخطأوا في هذا الباب واشتبه عليهم، أفيقال بعذرهم وعدم تأثيمهم أو أجرهم؟ سبحان الله! ما أقبح الجهل وما أبشعه.
هذه أربعة مواضع ضلّ فيها العراقيّ في أول بحثه في قدر ثلاثة أسطر من كلامه فسبحان مصرف القلوب.
قال ابن القيم رحمه الله في الكلام على أهل الفترة عند حديث المنتفق، وقوله صلى الله عليه وسلّم: "إنّ أباك المنتفق في النار"؛ ولو لم يكن من الأدلة على توحيد الله ومعرفته إلا ما اعترفوا به من ربوبية الله واختصاصه بالخلق والإيجاد والإبداع لكفى بذلك دليلاً، أو نحو هذا الكلام.
وغلاة عباد القبور قد أثبتوا لآلهتهم وأوليائهم شركة مع الله في التدبير والتأثير كما قالته غلاة الرافضة. وعلى كلام هذا الضال هم معذرون مأجورون لأنهم اجتهدوا، فسبحان من طبع على قلبه، وحال بينه وبين رشده. وما أحسن قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] بل إطلاق هذا يدخل فيه اجتهاد النصارى فيما أتوا به من القول الشنيع والكفر الفظيع ويدخل في عمومه قول أهل الحلول والاتحاد، كابن عربي وابن سبعين والعفيف والتلمساني وابن الفارض وأمثالهم، ويلزم من هذا العراقي تضليل من كفّر المشركين وعبّاد القبور من علماء الأمة. وتضليل الفقهاء فيما ذكروه في باب حكم المرتد، وأن يخص كلامهم بغير المجتهد والمقلد؛ ومن له حسن قصد. فيجب على هذا تقييد ما أطلقوه وتحرير ما ضيعوه، ولم يضبطوه. وأن يكتب هذا القيد على ذكره الحنفيون والمالكيون والشافعيون والحنبليون في باب حكم المرتد وما يكفر به المسلم؛ ليظهر الحق إن كان ما زعمه العراقي حقاً، أو يشهد كافة أولي الألباب من العلماء والخلق أن هؤلاء قوم لا يعقلون؛ وأنهم في ضلالة عمياء؛ وجهالة صمّاء؛ وأن لهم نصيباً وافراً من قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [لأعراف: 179] .