13- إضاءة: ويجب أن تعلم أن أبيات الشعر، وإن كانت أوائلها منفصلة عن أوائلها، فإن النظام فيها في تقدير الاتصال على استدارة إذ كان وضع الأوزان الشعرية وترتيبها ترتيبا زمانيا لا يمكنك فيه أن ترجع بالنهاية إلى زمان المبدأ بل تكون بينها فسحة من الزمان ولابد. وترتيب البيت المضروب ترتيب مكاني إذا بدأت بأي موضع شئت منه ثم درت عليه تأتى لك أن ترجع إلى الموضع الذي بدأت منه بنقلة مستديرة على اتصال من غير أن كون بين المبدإ والنهاية فسحة. والأوزان وإن لم يكن أن يعاد بالنهاية فيها إلى زمان المبدإ فإنها في تقدير ذلك، إذ نسبة سرد الشطر الأول من أي بيت وقع تاليا لبيت بعد الانتهاء إلى قافية البيت المتقدم وإعطاء كل متحرك وساكن منه حقه من التلفظ نسبة سرد الشطر الثاني وإعطاء متحركاته وسواكنه حقوقها من التلفط بعد الانتهاء إلى مقطع الشطر الأول. فلذلك يجب أن يجعل ساكن القافية الأخير مع ما يتقدمه من السواكن أو يتلوه من ذلك في أول البيت التالي له أو على حدته ركنا فاصلا بين ما وقع في صدر جزء القافية الذي هو فيها من اطراد المتحركات الذي هو بمنزلة بعض أقطار البيت التي تمتد بين بعض أركانه وبعض وبين ما وقع من ذلك في صدر الجزء المفتتح به البيت الذي يليه أو وسطه أو آخره.

14- تنوير: فتجد على هذا أركان الأبيات الباقية على وضعها الأصلي مزدوجة إذ التي في الشطر الأول منها مساوية للتي في الشطر الثاني في العدد. ولا ينقص أحدهما عن الآخر في ذلك إلا بتغيير. فأقصى ما نجدهم بنوا عليه أشطار البيوت ستة أركان. فيكون لمجموع البيت على ذلك اثنا عشر ركنا، وذلك في الكامل وحده لأن بناء شطره من متفاعلن ثلاث مرات، ثم يقطعونه فيصير إلى أحد عشر ركنا ثم يصير بوقوع الحذذ في الأعاريض والضروب إلى عشرة أركان مع السلامة من الإضمار وإلى تسعة بالإضمار.

ويليه في ذلك المربعة الأشطار، كالطويل والبسيط والمتقارب، فإن في كل جزء منها ركنا، فكل واحد منها ثمانية أركان، وتصير أركان الطويل والبسيط بالزحاف إلى اثني عشر. والخبب مثل المربعات الأشطار في أنه مبني على ثمانية أركان.

فأما السباعيات الجزاء المثلثة الأشطار مما لم يقع فيه سبب ثقيل فهي مبنية على ستة أركان، وتصير بإعلالات الضروب إلى خمسة.

ومما بني على أربعة أركان الوزن الذي قدمت أن المحدثين هم الذين علم من أقوالهم، ولا يبعد أن يكون من وضع العرب فإنه متناسب الوضع، فيجب أن يلحق بما يستعمل من الوزان ولنصطلح على تسميته باللاحق، لهذا المعنى. فقد قدمنا أنه يوجد فيه ساكن لا يوجد في مخلع البسيط ولا يقبله. ويوجد في مخلع البسيط ساكن لا يوجد في هذا اللاحق ولا يقبله، فلهذا حكمنا أنه وزن قائم بنفسه، وبناء شطره: مستفعلاتن مستفعلاتن.

وقد خصوا الرجز بأن أبقوا مشطوره على ثلاثة أركان، وهو أقل ما تقوم منه الأشكال. ويشبه أن يكون هذا بعض ما أوجب احتمالها لاطراد المتحركات في أقطاره لأن الأشكال المثلثة أطول الأشكال عروضا وأقطارا. وكأنهم جعلوا الأبيات المسدسة الوضع وسطا في ذلك حيث ترقوا في ذلك إلى ضعفها وانحطوا إلى نصفها.

15- إضاءة: ولقائل أن يقول: إن أجزاء الشطور الأول تنزل منزلة ما يلي الأرض من كسور البيت، وإن أجزاء الشطور الثواني تنزل منزلة ما لي السمك منها. ولهذا قد تقصر دائرة نظام الأشطار الثواني في كثير من الضروب عن دائرة نظام الأشطار الأولى نحو ضربي عروض الكامل المقطوع والمضمر، فإن دائرة ما يلي السمك من الأخبية أضيق من دائرة ما يلي الأرض. وليست ملاحظة هذا الوجه في الأوزان بضربه لازب؛ وعلى هذا التقدير يحسن في القافية أن يقال فيها أنها جعلت العروض رأس الخباء وما يعالى به العمود، فأحكمت هيآتها لذلك وجعل العروض القاسم للبيت بنصفين بمنزلة موصل قائمة الخباء العليا بقائمته السفلى، وجعلوا اطراد النظام المتناسب ما بين مبدأ البيت ومنتهى القافية بمنزلة استقامة قوائم البيوت. ومما يقوى أن العروض كموصل القائمتين أن كثيرا من الأعاريض القصار والتي قد نقص بعض أجزائها لا يجعلون لها أعاريض كمشوطرات الرجز أو لا يحافظون على وضعها ولا يرتبطون في ذلك إلى هيآت محفوظة نحو ما ورد في مخلع البسيط لعبيد بن الأبرص وغيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015