أو قالَ قدْ وقعت فصدِّق أنها ... وقعتْ ولكن منه أحسنَ موقعِ
فقد حمل الكلام على غير المراد بذكر متعلقه الاصطلاحي وهو الجار والمجرور الذي هو "منك" في البيت الأول، و"منه" في الثاني.
ومن هذا الضرب قول الآخر:
وقَالوا قَدْ صَفَتْ مِنَّا قلوبٌ ... لَقَدْ صدقُوا ولكن مِن ودادي
فمراده صفاء قلوبهم من الغل والدنس فحمله المخاطب على صفاء قلوبهم أي: فراغها وخلوها من مودته.
وأما البيتان اللذان قبل هذا البيت وهما:
وإخوان حسبتُهم دروعًا ... فكانوها ولكن للأعَادِي
وخلِتُهُم سهامًا صائباتٍ ... فكانوها ولكن في فؤداي
فمعناهما قريب من القول بالموجب وليس منه، إذ ليس فيهما حمل صفة وقعت في كلام الغير على معنى آخر، وإنما فيهما ذكر صفة ظُنَّت على وجه، فإذا هي بخلافه.
قال بعض علماء البلاغة: ويمكن جعل مثلها ضربًا ثالثًا، والثاني وهو الذي لم يكن متعلقه اصطلاحيا نحو قوله:
لَقدْ بُهِتُوا لما رَأوني شَاحِبًا ... فقَالُوا بهِ عين فقلتُ: وعارضُ
أَرادوا بالعين إصابة العائن، فحمله هو على إصابة عين المعشوق بذكر ملائمه الذي هو العارض في الأسنان التي هي كالبرد، فكأنه قال: صدقتم فإن بي عينًا، لكن بي عينها وعارضها، لا عين العائن، ووجه كون هذا الضرب من القول بالموجب ظاهر لأنه اعترف