كثرة زيارته له نِعَم منه عليه ومِنَن أثقل حملها كاهله، وهو ما بين كتفيه.

وقوله "أبرمت": يعني أبرمتك أي أمللتك بكثرة التردد عليك.

فحمله المخاطب على غير مراد المتكلم بأن جعل معناه "أبرمت" أي: أتقنتَ وأحكمتَ حبل الوداد بيننا بكثرة زيارتك لي.

وأما قوله: "طولت": فليس من القول بالموجب؛ لأن المخاطب صرح بنفيه حيث قال: لا، بل تطولت، فلم يقل بموجبه بل نفى موجبه صريحًا.

ومن هذا النوع الذي متعلقه اصطلاحي قول القاضي الأرَّجاني:

غَالَطَتني إذ كَسَتْ جسمي الضَّنا ... كسوةً عَرَت من اللحم العظاما

ثُمَّ قالت أنت عندي في الهوى ... مثل عيني صدقت لكن سقاما

لأن مرادها بقولها: "مثل عيني": أنه كعينها في المحبة إليها، فحمله على غير مرادها بأن قال: إنه كعينها في السقم لأنه سقيم من حبها فأشبه عينها في السقم. وسُقْم أعين النساء ضعف خَلْقي وتكسُّر يكون في جفونهن.

وقوله "لكن سقاما": بين فيه مراده بمتعلق اصطلاحي وهو التمييز، لأن التمييز متعلق عامله، والمعنى: صدقت في تماثلي مع عينها، ولكن لا في الحب إليها؛ بل في كون كل منا سقيمًا.

ومن هذا الضرب قول ابن دويدة المغربي في أبيات يخاطب بهما رجلاً أودع بعضَ القضاةِ مالاً، فادعى القاضي ضياعه:

إنْ قالَ قدْ ضاعتْ فصدق أنَّها ... ضاعت ولكنْ منكَ يعني لو تَعي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015